"جبران هو الأديب الذي قلما يجود الزمان بمثله"
*Mary Young
جبران خليل جبران، هو كاتب ومفكر وشاعر وفنان لبناني. ولد في العام (1883) في بلدة (بشري) في شمال لبنان وتوفي في مدينة نيويورك في العام (1931) عن عمر (48) عاماً.
وهو يعرف أيضاً باسم (خليل جبران Khalil Gebran).
ملامح من حياة جبران
هاجر جبران وهو صغير، مع أمه وأختيه وأخيه وخاله الى أمريكا في العام (1895) ونزلوا في مدينة بوسطن Boston عن طريق جزيرة Ellis القريبة من مدينة نيويورك، وتمثال الحرية الشهير. وقد توفي افراد العائلة، ماعدا اخته (ماريانا) التي كانت تعمل في محل للخياطة.
انصرف جبران الى دراسة اللغة الانجليزية.. كانت كتاباته الأولى باللغة العربية قبل عام (1918) وقد اسس مجموعة من الأدباء اللبنانيين الأمريكيين (الرابطة القلمية) في العام (1916) وكان من بين هؤلاء، أمين الريحاني وإيليا ابو ماضي. وقد لقب جبران برائد النهضة.
فتح جبران فتحاً جديداً ورائعاً في الأدب العربي. وعندما تحول عن التأليف باللغة العربية، الى التأليف بالأنجليزية، لم يلبث أن لمع نجمه في الولايات المتحدة الأمريكية أولاً، ثم في بريطانيا، وباقى البلدان الناطقة باللغة الانكليزية، ثم في غيرها من اقطار الارض.
جبران وماري هاسكل
وتشاء الأقدار، أن يتعرف جبران الى سيدة امريكية هي (ماري هاسكل Mary Haskell) مديرة إحدى مدارس البنات، التي قدرت مواهبه، فأرسلته في العام (1908) الى مدينة (باريس Paris) مدينة النور وعاصمة فرنسا، لدراسة فن الرسم، في أرقى معاهدها وقد ضحت هذه السيدة بمالها وعواطفها وحبها في سبيله. وفي باريس تعرف جبران الى العديد من الأدباء والفنانين، وزار بعض الدول الأوروبية الأخرى، وشاهد مافيها من متاحف الحضارة والفنون...
العودة من أوروبا
في عام (1910) أبحر جبران عائداً من أوروبا، الى مدينة بوسطن، وهنا بدأ نجمه بالصعود، فأنتقل الى مدينة نيويورك New York في العام (1912) حيث إستأجر مرسماً، وانصرف الى الرسم والتأليف.. ومن كتابات جيران ندرك ايمانه العميق بالمحبة بين الناس، وبالسلام بين الأمم. وكان يستعمل مصطلح (الجالية السورية) في مقالاته وخطبه السياسية. كما كان يؤمن بـ(سوريا الكبرى Greater Syria).
كتاب "النبي"
في مدينة نيويورك، كتب جبران رائعته الخالدة (النبي The Prophet) في عام (1923) وكتاب (يسوع ابن الانسان) وهما من خيرة اعماله. وقد كان كتابه (النبي) أهم المطبوعات في عام 1923 وقد ترجم الى اكثر من 20 لغة. وزاد عدد النسخ المطبوعة منه، في الولايات المتحدة الامريكية وحدها على مليون نسخة وقد قيل: "إن من يقرأ كتاب النبي مرة، فكأنه يقرأ الف كتاب"!..
وفي كتاب (النبي) أشرف جبران على الحياة، فرأى جوهرها واحداً، وهو (المحبة) و (المساواة بين البشر) وما مدينة (أورفليس) في كتاب النبي، الا مدينة نيويورك والجزيرة التي سيعود اليها، هي (لبنان Lebanon) و (الميترا) هي (ماري هاسكل) التي آمنت به قبل كل الناس. وقد اعتبر النقاد، أن جبران، قد بلغ الذروة في كتاب النبي، من حيث العمق في لتفكير، والجمال في التعبير!..
جبران ومي زيادة
كانت تربط جبران والأديبة (مي زيادة) علاقة فكرية وثيقة. وقد فهمت (مي) شيئاً من لغة نفس جبران، فكان التعارف والود والانفتاح وعلى الرغم من أن جبران ومي، لم يلتقيا يوماً وجهاً لوجه، فقد كتب جبران الى مي يصف نفسه بأسلوب رمزي فيقول:
"وماذا عساي أن أقول، عن رجل يوقفه الله بين امرأتين.. امرأة تحول أحلامه الى يقظة، وامرأة تحول يقظته الى أحلام.. هل هو غريب عن هذا العالم؟!.. لاأدري.. لكن اسألك إذا كنت تريدين أن يبقى غريباً عنك؟!.."
جبران والمرأة
كان للمرأة دور كبير في حياة جبران. فقد كتب قائلاً:
"أنا مدين بكل ماهو أنا الى المرأة، فمنذ كنت طفلاً حتى الساعة.. المرأة تفتح النوافذ في بصري والأبواب في روحي"!..
وقد حفلت حياة جبران بالنساء من كل حدب وصوب. لكن (ماري هاسكل) تظل علامة بارزة في طريقه. وقد تبادلت معه آلاف الرسائل، التي ماتزال محفوظة الى الآن. وقد توفيت في عام (1964).
مؤلفات جبران
1-المؤلفات باللغة العربية قبل عام (1918): (الموسيقى- عرائس المروج- الأرواح المتمردة- الأجنحة المتكسرة- دمعة وابتسامة- المواكب- العواصف- البدائع وللطائف)..
2-المؤلفات باللغة الانكليزية بعد عام (1918): (المجنون- السابق النبي- رمل وزبد- يسوع ابن الانسان- آلهة الأرض- التائه- حديقة النبي) والكتاب الأخير لم يكتمل. بسبب وفاة جبران، إضافة الى كتابات آخرى عديدة لم تنشر!..
وفاة جبران
توفى جبران يوم العاشر من شهر ابريل- نيسان من عام (1931) وقد أوصى أن يدفن في لبنان. كما أوصى أن يكتب على قبره باللغة الانكليزية:
"I am alive like you, and Iam at your side. Close your eyes, look around you. And going To see me".
وترجمتها بالعربية: "انا حي مثلك، وأنا واقف الى جانبك، فأغمض عينيك، ولسوف تراني"!.. وهذه الكتابة محفورة بالحرارة، على قطعة من خشب الأرز. كما سجلها جبران بقلمه، على أحد دفاتره!..
ومن المعروف أن جبران كان يؤمن بـ(التقمص) أي عودة الانسان للحياة بعد الموت. وهو القائل: "قليلاً ولاتروني، وقليلاً تروني، لأن امرأة أخرى ستلدني"!
لقد اعترف العالم كله بعبقرية جبران الأدبية والفكرية، فكرمته دول عديدة. وقد صدر طابع في لبنان يحمل صورته. كما أطلق اسمه على إحدى الحدائق في مدينة بيروت. وكرمته الولايات المتحدة، بإقامة نصب تذكاري له في مدينة واشنطن العاصمة، وحديقة ونصب تذكاري في مدينة بوسطن. وأطلقت الحكومة الكندية اسمه على أحد الشوارع في مدينة كويبك Quebec، وأقامت له لبرازيل تمثالاً في بارانا Parana، وخصصت له رومانيا حديقة تحمل اسمه. كما كرمته دول أخرى في الشرق والغرب على السواء.
من أقوال جبران
لجبران كتابات رائعة، تمتزج فيها رقة الكلمات، وجزالة اللفظ. بالفكر العميق والحكمة. والخيال الخصب بالواقع. وقد اخترنا باقة من أقواله:
-"أقول لك ياميخائيل، أن المستقبل سيجدنا في صومعه على كتف واد من أودية لبنان. إن هذه المدينة قد شدت أوتار روحينا، حتى كادت أن تنقطع. ولكن علينا أن نبقى متجلدين، حتى يوم الرحيل.. علينا أن نصبر يا ميشا.."..
بهذه الكلمات ينهي جبران رسالة خطها من مدينة نيويورك الى صديقه الأديب ميخائيل نعيمة، سنة (1922) قبل وفاته بتسع سنوات..
-لايحسدني ولايبغضني، إلا الذين دوني!..
-لا أحب أن أصغي إلى غاز، يعظ الذين فتح بلادهم!..
-لسلاحف أكثر خبرة بالطرق من الأرانب!..
-بين الخطيب والدلال بون شاسع!..
-إذا بحت بسرك للريح. فلا تلم الريح إن باحت بها للأشجار!..
-كل فكر حبسته عن الظهور بالكلام. يجب أن أطلقه بالأعمال!..
-المحبة.. كلمة من نور، كتبتها يد من نور. على صحيفة من نور!..
-النسيان.. شكل من أشكال الحرية!..
-التذكار.. شكل من أشكال اللقاء!..
-إذا اتسعت المحبة، صعب التعبير عنها بالكلام!..
-لاينشد بداية الطريق، الا الذين ضلوا في آخرها!..
-ويل لأمة تحسب المستبد بطلاً، وترى الفاتح المذل رحيماً!..
-لقد تعلمت الصمت من الثرثار والتساهل من المتعصب!..
-كلما بحثت عن الحقيقة، وجدت يسوع أمامي. وهو يقول: "أنا هو الطريق والحق والحياة"!..
-يقولون لي: عصفور في اليد، لاعشرة على الشجرة. أما أنا فأقول لهم: أن عصفوراً واحداً على الشجرة، خير من عشرة في اليد!..
-ويل لأمة تستقبل حاكمها بالتطبيل والتذمير، وتودعه بالصفير!..
-أنتم نور العالم، فلا تضعوا هذا النور تحت المكيال. بل فليشرق نوركم من الأعالي، لجميع الذين ينشدون محبة الله!..
-المخطئ لايرتكب خطيئة، الا بارادة مستترة من المجتمع!..
-كثيراً ما أوصلني إلى البغضاء دفاعي عن نفسي.. لو كنت اقوى. لما لجأت الى هذه الوسيلة!.
-أنت لاترى غير ظلك، حين تولي ظهرت للشمس!..
الطريق الى متحف جبران
بعد إجتياز منطقة (حصرون) الجبلية في شمال لبنان. وبعد مسافة قصيرة، تنتصب أمامنا لافتة كتب عليها: "بشري مدينة جبران ترحب بكم"
ها قد أسموا مدينة باسم كاتب وشاعر وفنان.. نحن الذين لانحتفي عادة الا بأسماء لقادة والزعماء وصناع الحروب، وهكذا تعطينا مدينة (بشري) المعلقة وسط الجبال، درساً في الحضارة والجمال والابداع. وهي تختم اسم جبران في هويتها الرسمية. ولاعجب أن تكون الطريق عارية من الأسيجة، تغطيها أشجار التفاح. فطالما نادى جبران بحرية الانسان، حياة وعبادة وسلوكاً. ينتمي بحريته الى ناموس الطبيعة والكون بلا وساطات وبلا قيود!..
متحف جبران
في (21) من شهر أغسطس-آب من العام (1931) وصلت باخرة من مدينة بوسطن الى مرفأ بيروت، تحمل رفات جبران العائد الى وطنه لبنان. فأستقبل استقبال الأبطال، ليستقر في بلدة (بشري) مسقط رأسه، حيث رقد رقدته الأخيرة في (دير مارسركيس) الذي تحول فيما بعد ليصبح (متحف جبران)..
ومتحف جبران هو أكثر من متحف، أنه شاخص حضاري، منقوش في قلب جبل، وكأنه بوجوده هنا، في قلب الحجر، يواصل رواية سيرة حياة جبران للأجيال، فالابداع ينقش على الحجر، لا على العقول الصلدة والصدئة.
يتكون متحف جبران من ثلاثة طوابق. وقد كان في الأصل ديراً يدعى (دير مارسركيس) الواقع على واد مطل على وادي قاديشا (المقدس) الذي اشتهر بوجود الأديرة والكنائس وصوامع وكهوف النساك، وفيه بني أول دير للرهبان في لبنان.
وكان جبران قد أوصى شقيقته (مريانا) وأصدقاءه في العام (1926) بشراء البقعة من الأرض المشتملة على الدير، والغابة المجاورة له، من ماله الخاص، بأمل أن يقضي فيه آخر ايام حياته. لكن القدر شاء أن يكون متحفه وملاذاً لجثمانه, ةفي صخر هذا المكان حفر المدفن ليضم رفات جبران ولايزال..
في وصيته الأخيرة، أهدى جبران جميع رسومه ولوحاته، وأشيائه الثمينة الى (ماري هاسكل) تاركاً لها الخيار، فيما تراه مناسباً، فترد بارسال كل ذلك الى بلدة بشري في العام (1933).
اما تحويل الدير الى متحف، فقد تم في العام (1975) بجهود (لجنة جبران) وهو يضم (440) لوحة فنية لجبران، ومجموعة كبيرة من أوراقه ومخطوطاته ودفاتره. وقد تم تجهيز المتحف بأجهزة الأنارة والرطوبة والحرارة والانذار والموسيقا.
وكان الأديب الكبير (ميخائيل نعيمة) صديق جبران، قد وضع كتبابً عن جبران تحت عنوان: (جبران خليل جبران. حياته. موته. أدبه وفنه).. كما كتب الكثير عن جبران بالعربية والانكليزية.
أخبار متعلقة :