لك أن تتخيل ..
وجود ساحر جديد, يحتل مساحة كبيرة من اهتمامك, بل ويحتل مساحة كبيرة من اهتمام الأسرة, يرقد في مكان أُعِدّ خصّيصًا له, حتى انه أزاح أشياء عتيقة من مكانها ليتفضّل هو بالجلوس, نعم, هو ساحر جميل, تحرّكه أصابع والدي, لكونه قد خَبِر كيفية التعامل معه, يروي حكايات يتحرك أمامنا أبطالها في خيلاء, جاحظة عيوننا بمجرّد أن أدير مفتاح التليفزيون, نترك كل ما أُعد للعب من اجل المشاهدة, ابتسامات خجلى, لم نتعوّد على مثل هذه التفاصيل وكأنّها هبطت علينا من عالم آخر, نعم هي كذلك, فكيف للبطل أن يقبّل حبيبته في وضح النهار وأمام أعين الجميع.
انقلب الحال, فلا الليل أمسَى للحكايات القديمة, اعتادت مخيّلتنا على الذّهاب إلى حيث يسكن الأبطال, حتى أصبح الحلم شاشة لعرض, يتقمّص فيها كلانا بطله المفضّل, تعشقه أجمل الفتيات, يُسافر بحثًا عن أمنياته التي كبّلتها سنوات ضيق ذات اليد, يُحارب بمفرده دون أن تتعثّر خطواته في طريق الحلم, فقط تخدّرت رغباتنا التي طالما هدأت في أحضان اللّعب خارج المنزل, في انتظار ساحرنا الجميل ليلًا, يعْلن عن هويّة القاتل, وكيف أقنع الجميع ببراءته.
تخلو الشّوارع قليلًا في هذا الوقت, إلا من كلاب تنبح ,عجوز يستمرئ في الليل ذكرياته على جمر أعواد الحطب, تسمعه لفرط نشوته يُغني, هدأ الجميع كأننا في انتظار حدث جلل أو هي ساعة يتجلّى خلالها الكون, تهتز أعناق النخيل, تملأ صفحات الطريق رُطبًا, دقائق وإذا بسواد حالك يضرب المكان, انقطع التيّار الكهربائي, لا لشئ, ولكنّها أسلاك الكهرباء قديمة ولم تتعوّد هي الأخرى على
السّهر ليلًا.
عادت العيون من جحوظها لتستقر في محجريهما, تبحث عن نافذة أخرى لضوء يشتت ظلمة المكان, امتدت الأيادي تفتح النوافذ والأبواب, تفرق الجمع مابين متّجه ناحية النافذة وآخر جلس خارجًا يراقب المارة في الشّارع, بينما تعهّدت أنا بالبحث عن وسيلة للوصول إلى المصباح المُعلّق عاليًا في سقف المكان, لتغييره بأخر, ولكوني أمتلك طولًا فارع من بين إخوتي, اعتليت كرسيًا مع الوقوف على أطراف أصابعي, المصباح مازال عاليًا, عاودت النزول للبحث عن حل أخر, متسلّقًا سلّمًا خشبيًّا حتى نهايته, واثقًا هذه المرّة من الوصول إلى هدفي بسهولة ويسر, لكنّها على ما يبدو أوهام طفل بقرب القمر في السّماء , فلربّما مد يده إليه يلامسه, أو ربّما هي أضغاث حلم بعبور النهر مثلًا دون معرفة بالعوم.
المصباح مازال بعيدًا بالفعل, أمر غريب يحدث في كل مرّة, يبتعد المصباح, يتقزّم جسدي, تخدّلت قدماي صعودًا وهبوطًا, تضاءل جسدي أكثر وأكثر, حتى صرت كحشرة زاحفة على الحائط تحاول الوصول إلى مكان آمن, صفعات من كل مكان بأحجار ونِعال, الظلام وحْش والضربات جيوش أصابت أم رأسي, تلطخ الحائط بالدّماء, بينما ظل المكان أسير غطرسة ليل وطغيان, متعطّش لمزيد من الدّماء,
كي يظل الجمع متفرّقًا والأحلام بعيدة المنال.
أخبار متعلقة :