بوابة صوت بلادى بأمريكا

الحبل والطريق بقلم المنتجب علي سلامي

 
 
استيقظ فرحاً وقد رمى بالغطاء البنّيّ السّميك عن جسده النحيل المُرتجف ، وانتصب واقفاً بجانب السّرير المعدنيّ القديم الصدئ ،وهو يتثاءب مُنتشياً ، ويمطُّ إلى الأعلى بيديه كلتيهما في ذلك الصباح الباكر قُبيل سفره إلى مكان عمله في المدينة، بعد أن عاش حلماً سعيداً قصيراً ...
فقد رأى أفعى سوداءَ في حلمه على الطريق السّريع وهي تلتفّ حول رزم من الأوراق النقديّة و بعض سبائك الذهب المُلتمعة بعد أن تفاجأ بها خائفاً مذعوراً حينما اضطُرّ إلى النزول من حافلة النقل العام في مكان بعيد عن المدينة ،وسرعان ماتلاشى خوفه وتبدّد بعد أن اختفت الأفعى تاركةً تلك المبالغ الخرافيّة وقطع الجواهر الصّفراء التي همّ بالتقاطها ، لكنّ منبّه ساعته الصّارم الوفيّ جعله يصحو مُنذراً إيّاه بضرورة الإسراع في ارتداء ملابسه العتيقة وتناول لقيمات من الخبز المغمّس بالزّيت النباتيّ ومغادرة منزله الترابيّ الكائن في ملجأ  منزل قديم ملّ الزمن من صحبته ورطوبته وعتمته...
وقف في الحافلة العجوز العامرة بالمسافرين الجالسين والمكتظّة بالواقفين في حضنها من أمثاله، ونسمات كانونيّة تداعب جسده الرقيق وتجعله يرتجف برداً ،وهو يمسك بقطعة حديديّة مُعلّقة بسقف السيّارة المُهترئ ويبدو وكأنّه مشنوقٌ بها، فعيناه البائستان لايرفّ جفناهما ،وهما مفتوحتان ،وتنظران من النافذة  ببرود مع ميلٍ لرقبته الطويلة النحيلة فهو شبه نائم...
لكنّه سرعان ما صُعق فجأةً وبُعث إلى الحياة والنشاط، بعد أن لمح تلك الأفعى السوداء حقيقة هذه المرّة في المكان ذاته الذي حلم به أثناء الفجر...
صرخ بالسائق المُسرع بحافلته أن يقف له فجأةً دون أن يفكّر ولو لجزء من الثانية، فالمال والذّهب بانتظاره والثعبان هوحارسٌ أمين أرسله الله ليخلّصه من عدوّه الفقر الذي لم يتوقّف في ماضي عمره عن لدغه ولسعه...
.فالمسألة لاتحتمل التأخير، و عليه اغتنام الفرصة الملائكيّة التي أرسلتها السّماء ،فأمّه العطوف كانت دائماً تتضرّع إلى الله أن يرزقه من غامض علمه وأن يتحوّل التراب بين يديه الخشنتين إلى ذهب...
رمى بقطعة نقديّة لايملك غيرها باتّجاه السائق ،واستعجل بالترجّل من الباص وهو مازال يتحرّك قبيل استقراره على يمين الشارع...
اختلّ توازنه وسقط أرضاً وسط رامة ماء وطين...
لم يكترت بالطين على ثيابه ولا بالصّدمة على ركبتيه الحالمتين ولابغرق ثيابه المشتاقة لتحتضن الماه ولا بالمطرالمنهمرالمختلط بقطع البَرَد البرّاقة....
فأسرع عائداً بخطوات طرزانيّة باتّجاه ثعبانه الأسطوريّ الأسود....
وصل المكان مع صوت لهاثه المترافق مع أصوات الرعد والمركبات المسرعة على الخطّ السّريع وانصباب المطر الملوّن بحبّات اللؤلؤ الآتي من السماء ليكتشف أنّ ثعبانه الموعود ذا اللون الأسود ماهو إلّا حبلٌ لونه بلون حظّه وحياته قد سقط من إحدى الشاحنات العملاقة العابرة...
انحنى منكسراً متألّماً خجلاً نادماً متحسّراً ليلتقط ذلك الحبل الملطّخ بالشّحم والوحل ويُطلق ضحكاتٍ مجلجلةً في الهواء البارد لايملك سواها.
 

أخبار متعلقة :