بوابة صوت بلادى بأمريكا

قصّة لا تلقى اهتمام بقلم : مراد ناجح عزيز

 
 
ينتــــظم ..
دواران الأرض مابين ليل ونهار, أيضًا كان ينتظم لقاؤنا ليلًا, كفئران تخرج من جحورها بحثًا عن متّسع بلا قيد, سلسلة من الأيام تستهل شبابها بساعات من العمل الشّاق, مابين لفحات شمس حارقة صيفًا وبرودتها شتاءًا, لتعلم وأنت أمام المرآة أنّها حوّلت جلد بشرتك متدرّجا مابين الفاتح والغامق في يد واحدة, أعلى الصّدر, حول الرّقبة, نختلف فيما بيننا من عمل, لكننا نتّفق على شيء واحد, كتشابك أياد الأطفال في لُعبة دائرية( افتحي يا وردة اقفلي يا وردة) تنفرج كثيرًا ثم تعود فتُغلق الدائرة ليلًا, نحاول ترويض ساعات جلستنا بالحكايات قديمها وحديثها.
بعيدًا حيث لا يجلس أحد, دائمًا ما نحاول أن يكون لنا بعضًا من الخصوصيّة أو هي نوع من لفت النظر إلينا, نعم فدائمًا ما نسأل عن البعيد ونحتاج إليه, دائمًا ما نحاول الغوص في سراب ماء, كي تهدأ صرخات أسئلة لا إجابة لها, تهدأ جلستنا قليلًا إلا من صوت جِدال مابين اثنين, ممّا أدى إلى ضياع فرصة الفوز في أحد ادوار لُعبة الطاولة أو الدومينو, تتشابك أدخنة السجائر والنرجيلة في سماء المكان, بينما يحاول احدنا لفت الأنظار قليلًا بحديث عن قتله ثعبانًا مثلًا كان على مقربة منه قبل استيقاظه من النّوم, بينما ثار آخر على صاحب العمل لكونه جَشع ويحاول استنزاف كل طاقتهم في العمل دون راحة, استمر جدال اللّعب, تجرأت أنا للحديث عن ليلة أمس في محاولة مني لكسر رتابة جلستنا, ظننت في بادئ الأمر أن ما أقوله لا يخرج عن كونها قصّة لا تلقى اهتمام, مستغلًّا في ذلك تكاسُلي بالأمس عن الخروج , كي تتأكّد وقائع قصّتي.
أمطرت السّماء بالأمس كما تعلمون, كان ذلك لسوء حظّها ولحُسن حظّي , انحنت جانبًا تتستّر أسفل أحد البنايات, تباطأت خطواتي خلفها, لعلّها تطلب مساعدتي دفاعًا عنها إذا ما هاجمها احد الكلاب الضّالة, وهي كثيرًا ما تنتشر في مثل هذه الأجواء ليلًا, اعتقد أنها شعُرت بوجودي فقد خلا الطّريق من المارّة إلا قليلًا, اقتربت منها حتى تهدأ ويزداد شعُورها بالأمان أكثر وأكثر, أخبرتني أنّها لم تتعوّد التأخير لمثل هذا الوقت, فيما كانت عيناي تخترقان تفاصيل ذلك الوطن المتأجج ثورة وجمال, أحاول إخفاء نظراتي إليها حتى لا أبدو كلصّ يحاول سرقة ما ليس له, هي الأخرى تحاول ابتسامتها أن تُعيد للوحش الآدمي طفولته, بعض رشفات أكواب الشّاي المتَصاعد أبخرته, تأمّلت وجوه الأصدقاء لأجدهم جميعًا في حالة استرخاء تمام, توقّف اللّعب, يبدو أن قصّتي أغرتهم بما هو أهم من كسب لأحد أدوار اللّعِب اللّيلة, بأصابع يدي تصنّعت خربشة في رأسي كمن يحاول البحث في الذاكرة عن شيء ما.
اقتربنا من الحارة المؤدية إلى منزلها, أخيرًا شعُرت بالأمان, في حين خلا الطريق تمامًا من المارة, اقتربت منها حتى لا مست يدي يدها, وفي غفلة منها, قبّلتها, ابتسمت, تنبّهت للتّو إلى همهمات أحدهم يشير إلى شيء ما, إلتفتُّ للخلف موضع إشارته, يبدو أن الدقائق القادمة تحمل مِن الأحداث ما لا أتوقّعه, كأن ينهال والدها بكِلتا يديه فوق أم رأسي مثلًا, مع بعض ركلات أقدامه, جرّاء ما اقترفتُ من ذنب بالأمس(حدّثت نفسي) تصبّب جسدي عرقًا, تقطّعت كلماتي, ظل صوت ضحكاتهم يعلو كلّما اقتربت خُطواته شيئًا فشيئًا, ممّا جعلني أبحث عن وسيلة للخروج من 
هذا المأزق ونهاية تبدو ساخرة وأقول:(على فكره اللي أنا حكيته ده كان حلم مش حقيقي يعني) ازداد إيقاع ضحكاتهم متباينًا, مابين قهقهات عالية وطرقعات أكف بعضهم لبعض, وقد انحرف والدها عن مسار خطواته إلينا متّجها إلى طاولة أخرى كان يقصدها, ربّما اختلطت عليه رؤيا عينيه, بعدما أشار إليه أحد أصدقاؤه 
بمكان وجوده.
 
 
 

أخبار متعلقة :