بوابة صوت بلادى بأمريكا

جميل جورجي يكتب : كلام في الاقتصاد

 
 
يجرى اليوم الحديث حول تجربة "مصر الاقتصادية" فى التنمية والتى طالما أثنت عليها العديد من المؤسسات والهيئات المالية والاقتصادية العالمية وتلك الإنجازات الكبيرة التى حققتها فى وقت قياسى ( 11 ألف مشروع) فى خلال فترة لاتتجاوز 4 سنوات ..بيد أن هناك العديد من الحقائق والثوابت التى تتعلق بعلم "الاقتصاد" التى يجب الوقوف عليها حتى لا يختلط الأمر على البعض فى ظل الوضع الاقتصادى الحالى وإيضاح بعض الحقائق التى تلقى الضوء على التجربة الاقتصادية المصرية ..يأتى على رأس هذه الحقائق طبيعة "علم الاقتصاد كعلم "افتراضى" بمعنى أنه يقتصر على دراسة العلاقة بين متغيرين فقط (كالطلب والعرض) مع تذيلها بتلك العبارة "مع بقاء العوامل" الأخرى على ماهى عليه..إلا أن هذه العوامل عديدة ومؤثرة وهى ولا يمكن التحكم فيها أو السيطرة عليها ويتوقف حجم تأثيرها على طبيعة وقوة الاقتصاد.. من ضمن خصائص "علم الاقتصاد" التى لايوجد تفسير لها "ظاهرة "الدورة الرأسمالية" التى تعنى أن كل كساد اقتصادى " تضخم" لابد وأن يعقبه "إنتعاش" مع عدم القدرة على تحديد الفترة الزمنية بينهما بالرغم من الإجراءات الاقتصادية والمالية التى تتخذها الدولة..الحقيقة هى أن العديد من علماء الاقتصاد وعلى رأسهم " كينز" الملقب بأبو "علم الاقتصاد" لم يستطع تفسير هذه الظاهرة بل عزى حدوث "الانتعاش" الذى يعقب الكساد إلى ما أسماه "باليد الخفية".. البعض الآخر من الاقتصاديين أرجعوها إلى عوامل الدفع للأمام والخلف" التى تدفع الاقتصاد  إلى " حالة التوازن "التى يعقبها "الإنتعاش" وهى تفسيرات مبهمة تفتقر إلى الدليل لعلمى  .. على الرغم من أن "التضخم الاقتصادى" يعد من المصطلحات الاقتصادية الأكثر شيوعياً إلا أنه لا يوجد إجماع عليه بين الاقتصاديين سواء بشأن تعريفه أو حتى تحديد المفهوم ذاته بالإضافة إلى تعدد الحالات التى يستخدم فى تفسيرها.. من أهم هذه الحالات هى الإرتفاع المفرط فى مستوى الأسعار أو "تضخم الدخول" "الارتفاع النقدى" للدخول والأجور و"تضخم الأرباح والتكاليف" و"التضخم النقدى" من خلال الإفراط فى إصدار العملة .. ويرى بعض الاقتصاديين أنه عندما يستخدم  تعبير "التضخم" دون  توصيف "للحالة" التى تنطبق عليه فهو يقصد به الإرتفاع المفرط والمستمر فى الأسعار وانخفاض القوة الشرائية  للأفراد ومن ثم كمية السلع والخدمات التى يحصلون عليها .. هناك أيضاً ما يعرف "بالاقتصاد الحقيقى" و"الاقتصاد الورقى" الأول يعنى جميع العناصر الحقيقة وغير المالية التى تضم كافة السلع والخدمات بالقيمة الحقيقية لها ومن المنظور الأوسع فهو يعنى الإنتاج ونقل وبيع البضائع مقابل تبادل الأصول الورقية.. وتكمن أهمية "الاقتصاد الحقيقى" فى الحفاظ على توظيف القوى العاملة وزيادة "الإنفاق الاستثمارى" سواء الخاص أو العام  والحد من عجز ميزان المدفوعات وكبح جماح "التضخم" والحد من الفقر وتوفير مستوى معيشى  أفضل .. أما "الاقتصاد الورقى" فهو ينصرف إلى النواحى المالية  كالبيع والشراء فى أسواق المال بيد أن "تحقيق التنمية" الاقتصادية أو سع بكثير من مفهوم "النمو الاقتصادى" إذ  تتعلق بتحقيق "التنمية الشاملة المستدامة".. وعلى الرغم من ذلك فإن "الاقتصاد الورقى" يلعب دور هام  فى تأسيس "الاقتصاد" من خلال تيسير تداول المنتجات والخدمات وتوفير السيولة والقدرة على إدارة المخاطر التى قد تحل بالاقتصاد ويساعد أيضاً على تعبأة الأموال .. الخلاصة  هى أن كل منهما يلعب دوراً هاما فى الوصول بالاقتصاد إلى تحقيق الحد الأقصى من لأداء بما يحقق "التنمية المستدامة" التى تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية لكل فرد بالمجتمع من خلال الإستغلال الأمثل للموارد مع الحفاظ على حق الأجيال القادمة .. وهنا يثور التساؤل هل يمكن التحكم فى كل هذه العوامل والظروف والتنبؤ بها كالحروب والكوارث الطبيعية (الجفاف وحرائق الغابات) التى تأتى على دول بأكملها نتيجة "التغير المناخى" والتى تقف أمامها الدول ذات "الاقتصاديات المتقدمة" عاجزة فكم بالحرى الدول النامية ذات الاقتصاديات التابعة .. لقد وقفت الولايات المتحدة عاجزة أمام "الكساد الكبير" الذى ضربها فى 1929 وطال جميع أنحاء العالم بدرجات مختلفة وإستمر حتى أواخر "الثلاثينيات" إذ لا يمكن التنبؤ بالمدة الزمنية التى يستغرقها الكساد.. وهنا قد يثور التساؤل حول دور الإجراءات والسياسات المالية التى تتخذها الدولة طالما إنها لا تستطيع التنبؤ بموعد انتهاء "الكساد "الإجابة هى تقصير فترة المعاناة التى تترتب عليها بالنسبة للمواطنين لاسيما محدودى الدخل ..من ضمن التساؤلات الأخرى التى تعقب موجات "التضخم الاقتصادى" والمعاناة التى تنطوى عليها هل يرجع ذلك إلى خطأ فى "الرؤية الاقتصادية" و"خطة التنمية" أو الخلل فى تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى ؟.. الإجابة هى تضاؤل دور تلك "العوامل" وهو ما تثبته موجات التضخم التى ضربت "الدول الكبرى" ذات "الاقتصاديات المسيطرة" أما بالنسبة للدول النامية ذات "الاقتصاديات التابعة" فهى لا تعدو أن تكون سوى مجرد رد فعللها .. بيد أن ذلك لا يعنى إغفال دور "الحكومات" فى تقليل المعاناة لاسيما فى الدول النامية  إلا أن دورها هنا يقتصر على إختيار الأساليب والمعالجات التى تحاول من خلالها تقليل حدة تأثيرها على الفئات محدودة الدخل بقدر الإمكان .. الدليل على ذلك وهو ما أشارت إليه "القيادة السياسية " فيما يتعلق بالتجربة الصينية بهدف تحقيق "القفزة الكبرى" التى سعى من خلالها "ماوتسى تونج" إلى تحقيق تنمية سريعة فى القطاعين الزراعى والصناعى لكى ما يتمكن "الاقتصاد الصينى" باللحاق بالاقتصاد السوفيتى والغرب.. إعتمدت "القفزة الكبرى" فى الصين على ثلاثة  أركان الأول التركيز على "الملكية الخاصة" والثانى إنتاج كميات كبيرة من "الحديد الصلب" أما الثالث فهو ضخ كميات ضخمة من الإستثمارات فى "البنية التحتية" وقد حدثت بعض الإخفاقات نتيجة عدم توفر "العمالة الماهرة ".. وكانت المتحصلات هى إهدار ملايين الأطنان من الحديد والتى أعتبر نصفها "مخلفات"أما المحصلة الثانية فهى تلف المحصولات الزراعية فى الحقول وقد أدى سوء التقدير إلى أن 48,6 % من الحبوب كان دون المستوى .. وقد أسفرت محاولة تحويل "الاقتصاد الصينى" عن  إنهيار كلا القطاعين ووفاة ما بين 30 -45 مليون شخص بسبب المجاعة ولكن ذلك لايعنى أن الخطأ كان فى تبنى مفهوم "القفزة الكبرى" .. الحقيقة هى أن ذلك المفهوم  يعود إلى العالم "بول روزنتين" فى 1943 وقد طوره "ميرفى ستليفر" فى 1989 وهو يؤكد على أن "الدول النامية" تتطلب كميات كبيرة من الإستثمارات  للتحليق فى مدرات التنمية وأن حقن الاستثمارات بكميات قليلة يؤدى إلى إهدار الموارد .. وقد خلص" بول روزنتين" إلى أن تحقيق الإكتفاء الذاتى للدولة يشبه عملية إقلاع الطائرة التى تتطلب ضخ كميات ضخمة من الوقود يقصد (الاستثمارات ) لكى تتمكن من التحليق فى معارج النتمية ..يؤكد الباحث الهندى "ترول وول" على أن تراجع معدل النمو الاقتصادى فى الفترة من 2012-14 كان بسبب وقف ضخ الاستثمارات فى البنية التحتية.

أخبار متعلقة :