بوابة صوت بلادى بأمريكا

الحسين عبدالرازق يكتب : العولمة والتعولم والأفلمة والتأقلم!

قبل ١٠ سنوات تقريباً، شاهدنا مسلسل "مصري" علي فضائية مصرية "غير مشفرة" كان اسمه"رِجل الغراب"، هبة رجل الغراب، حظي المسلسل بالمشاهدات، حقق بعض النجاحات، كما تعرض لإنتقادات، كان علي رأس الانتقادات وفي مقدمتها، عدم مراعاة المسلسل للتقاليد والعادات، كمبيت البطل في شقة خطيبته دون زواج، و شرب الخمور والمسكرات، وارتداء بعض البطلات للقصير، أو الخفيف، أو الضيق، أوالشفاف، من الفساتين والبناطيل، والجيبات، إلي غير ذلك من الأزياء!  قائمة طويلة من الإنتقادات أنا في حل عن ذكرها الآن، فلست معنياً بالمسلسل، أو كل ما قيل في حقه، من مدح أو قدح، أو إشادة أو إنتقاد، ما يعنيني هنا هو الموضوع الذي أنا بصدد الكتابة اليوم عنه، وهو الجدلية المثارة والتي لم تحسم بعد، حول إدراكنا لمفهوم العولمة، وما هو المراد من "أفلمة" العادات الدخيلة علي مجتمعنا، باللجوء إلي اقتباس بعض القصص (التي هي بالأصل أجنبية)، واعادة تقديمها في صورة فيلم،أو مسلسل، أومسرحية؟! مصطلح زواج المساكنة، عرفته للمرة الأولي خلال مشاهدتي للمسلسل المذكور!! 
في إحدي مشاهده، دار الحوار التالي بين اثنتين من بطلاته ... (بيري وفريدة) 
فريدة_ أنا ملاحظة إن العلاقة بينك وبين مازن إتحسنت أوي. 
بيري_ ده أنا نسيت أقولك، مش أخيراً وافق إنه ييجي يعيش معايا؟
فريدة_ لاء .. بتهزري. 
بيري _آه والله. 
فريدة_ يعني خلاص؟ نقول مبروك؟
بيري_ لاء لسه .. ييجي يعيش معايا الأول. 
فريدة_ والله العظيم إنتي عبيطة، إنتي كنتي إتفقتي معاه علي موضوع الجواز الأول. 
بيري _ لاء طبعاً يا فريدة، إنتي عارفه مازن، لازم آخده واحدة واحدة، وبعدين أنا مش مستعجلة!!  
ــــــــــــ
لم تكن تلك السطور، سوي تفريغ كتابي قصير، لجانب من حوار طويل ورد في هذا المسلسل، ولمن لم يشاهده نقول  ..  بيري وفريدة صديقتان، أما الأخ مازن، فهو زميلهم في العمل، شاب ثلاثيني وسيم، اتفقت معه إحداهن، علي أن يعيش معها في شقتها (من غير جواز ولا من يحزنون)، وده لأن الست زي ما قالت لصاحبتها مش مستعجلة!!!! دخل المسلسل لبيوتنا وتابعناه، شاهده معنا أبنائنا وبناتنا، وأخوتنا وأخواتنا، وأهلنا وذوينا، فخبروني بربكم أدام الله فضلكم، إن لم يكن هذا المشهد تحديداً هو الترويج المباشر للمساكنة، فماذا عساه أن يكون؟ وعلي ذكر (زواج المساكنة)، هذا المصطلح اللقيط، السخيف، البذيئ، العبيط! 
الدخيل علي مجتمعنا "المحافظ" وسائر المجتمعات العربية، التي عمت بها البلوي في عصر النت والفضائيات وغيرها من وسائل التواصل المفروضة، والمفترضة، والمرفوضة! وليس في وصفنا لها بالمفروضة أية مبالغة أو تجاوز، لأنها بالفعل باتت مفروضة علينا ، والعجيب أننا نحن من فرضناها علي أنفسنا، بأن تعاملنا معها من البداية علي أنها أمر واقع، وكأننا مجبرون علي التعامل وإلا وصفنا البعض بالرجعيين، ووصمنا آخرون بالمتأخرين، أو ألقي بنا كلاهما إلي آتون التزمت، أو التخلف، أو الإنغلاق، ومن هنا كان الإنطلاق! نزعنا عنا رداء التأقلم، وركضنا بكل ما لدينا من قوة خلف قطار "التعولم"، جميعنا ركض وراءه، الجاهل والمثقف والأمي و المتعلم، إنجذب الشباب إلي وسائل التواصل انجذاب الفراشات لأضواء المصابيح، فاحترقت أجنحتهم ونالنا ما نالنا من بعدهم!  عن أي" مساكنة" يتحدثون؟ هل عن المساكنة بمفهومها القديم، الذي تحدث العلماء عنه قبل مئات السنين؟ أم عن المساكنة بمفهوم الست"بيري" بتاعة المسلسل اللي مش مستعجلة علي الجواز؟! الإمام إبن حجر الهيثمي، المولود هنا في مصر سنة ١٥٠٣م، أي قبل ما يربو علي(أربعمائة عام) أو يزيد؟ كان قد ذكر في كتابه "الفتاوى الفقهية"، أنه إذا "سكنت" المرأة مع أجنبي في حجرتين، أو في علو وسفل، أو دار وحجرة، اشترط أن لا يتحدا في مرفق واحد، كمطبخ، أو خلاء، أو بئر، أو سطح، أو مصعد، فإن اتحدا في واحد مما ذكر، حرمت ((المساكنة)) لأنها حينئذ مظنة الخلوة المحرمة، وكذا إن اختلفا في الكل ولم يغلق ما بينهما من باب أو يسدا، أوأغلق لكن ممرأحدهما على الآخر، أو باب مسكن أحدهما في مسكن الآخر.  يعني الإمام الله يرحمه، اتكلم عن المساكنة من أكتر من ٤٠٠ سنة فاتوا وقال إنها حرام!  ثم هنروح بعيد ليه؟ أولم يحرم ديننا الحنيف الخلوة بين المرأة والرجل ؟ألم يقل نبينا صلىوات ربنا وتسليمه عليه ( لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) ؟ ألم يقل صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس بينها وبينه محرم)؟ ألم يحرم ربنا سبحانه وتعالى اتخاذ" الأخدان" أي الصديقات و الأصدقاء على كل من الرجال والنساء؟ .. يقول ربنا عز وجل في كتابه العزيز ( محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان)، هذا فيما يخص النساء، وعن الرجال يقول ( محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان )، إذاً فاتخاذ الأخدان محرم علي الرجال والنساء بأمر إلهي صريح، وتوجيه نبوي فصيح، فلا توجد في ديننا علاقة تسمى المساكنة أو الصداقة بين الرجل والمرأة، وهذا هو فصل الخطاب  . 
حفظ الله شبابنا وأعانكم وأعاننا  .

أخبار متعلقة :