بوابة صوت بلادى بأمريكا

جورجيت شرقاوي تكتب : مراحل تطور ملف المواطنة عبر الأنظمة يعكس تطلعات الأقباط في السباق الرئاسي القادم

 
احدثت زيارة الرئيس السيسي للكتدرائيه في عيد الميلاد المجيد فارق كبير هذا العام ، قد يعتقد البعض ان مضمون الزيارة التي تحث غالبيتها علي قيم المواطنه قد تتشابه كل عام بينما نجد ان لكل زيارة لها رونقها و ليس تقليديه كما اعتاد الرؤساء السابقين علي التهنئه بالاعياد من باب المجامله ، فالزيارة فاعليتها الجاذبة اكثر من كونه برتوكول سياسيا و تأثيرها الخاص لدي عموم المصرين و ايضا تصل بمختلف الانطباعات للخارج ، حتي اصبح الرئيس السيسي ثان رئيس يمثل زعامه في أروقة الكنيسه ، بعد الرئيس الراحل عبد الناصر ، و يؤكد الرئيس السيسي علي مباديء مغزي الزيارة من خلال كلماته المستنيرة سابقا “متفرضش علي فهمك و اعتقادك و اعتقادك الديني و انا مش حفرض عليك فهمي و لا اعتقادي و لا مذهبك” علي هامش لقاء المراسلين الاجانب بمنتدي شباب العالم .
فقد اضاف النظام الحالي معادله لا يمكن تجاهلها مستقبلا ، فأثبت ان كتله الاقباط كقوي ناعمه لا يمكن الاستهتار بها و لا يمكن استبدالها او اخراجها خارج الاطار الزمني للعمليه السياسيه الناجحه فحسب ، فأن اراد النظام الاستقرار الفعلي فلا سبيل الي العمل علي حلول لقضيه الاقباط التي تصدرت المشهد في الانظمه السابقه و كانت صداع في راس الاجهزة الامنيه و ورقه ضغط خارجيه يمكن التلاعب بها . فأصبح اقباط مصر هم حصان طروادة و كرت رابح في يد اي رئيس حكيم ، فتهاوت امامهم منظمات حقوق الانسان المشبوهه و مخططات من ورائهم من اجهزة مخابرات و اندرثت طرق استقطابهم و تفرقهم عن هويتهم الحقيقه و خاصه أشقائهم المسلمين و انتصروا لمفاهيم الوطنيه و التصقو ببلادهم في توقيت حرج ، و من هذا المنطلق اصبح العودة للوراء من خلال ممارسات سابقه و مشينه في العلاقه بين الحاكم و الاقباط تكاد تكون مستحيله .
و من الغريب ان تجد المفاهيم السائدة طوال فترة حكم مبارك تتهم اقباط مصر بالسعي وراء الهجرة و اللجوء الديني و محاوله زرع بذور فحواها ان يكون هناك بديل اخر لبلادهم في قلب اوطان اخري ، بينما حكم التاريخ ان مصر كانت اول وطن تحتضن السيد المسيح ، فعاش امنا و دشن بيديه معالم يأتي كل البلدان ، فهي بمثابه قدس اخر ، و ملاذ ليس له مثيل، و سرعان ما تلاشت هذة الافكار الدخيله علي مجتمعنا و التي كان هناك ترغيب للاقباط في خطه واضحه لانتزعاهم في صورة تقديم هجرة ان الحل الامثل للتخلص من اوضاعهم و لم نعد نراها حتي جاء الرئيس السيسي و اكد علي ان الجمهوريه الجديدة تسعنا جميعا ، و الحقيقه ان اقباط مصر حدثت لهم انتعاشه ذهنيه خلال ثورتين ، فتحركت لديهم نزعه أيقظت فترة داخلهم لم تكن في الحسبان ، فبدلا من شكواهم الدائم في تضيق الخناق علي اماكن عبادتهم رأينا مشاهد صلاه في الشارع يحرصونهم المسلمين و العكس ، حتي جاء النظام الحالي و اصلح الاوضاع و تم تقنين اوضاع عدد لا بئس به من الكنائس بل اقدمت الدوله علي بناء الكنائس بنفسها كعربون تصالح و بدايه لعهد جديد معهم ، و ظهرت ايضا الاعتراف بطوائف جديد مثل الانجلاكنيه و اعطاء مساحه لهم خلال اراضي تخصيص بالعاصمة الاداريه
و رممت الكنائس الاخري و المعابد اليهوديه ايضا بمشاركه القوات المسلحه علي حد سواء في اعتراف كامل بحريه العبادة بعيدا عن الوعود الزائفة التي خلفت يقين داخلي بأزمة الثقه عند الاقباط و فجوة كبيرة تجاه الحاكم لا سيما ان تقلد الاقباط لعدة مناصب و ترشيحهم من خلال تمثيل مناسب قد اعاد اتزان الامور ، فنجد ان البعض نجحو كممثلين عن الشعب علي المقاعد الفرديه في انتخابات مجلس النواب و الشيوخ الحاليه ، في مشهد نجدة اول مرة ، و قد حظي بعض النواب ببعض من الجهود الذاتيه دون تدخل من الكنيسه في الترشيح ، و جرت العادة ان تتدخل الكنيسه في اختيارات معينه و تزكيتها لدي الاجهزة الامنيه و ليس العكس .
و لعلنا نري اليوم اختفاء مشهد مثل احداث مسبيرو و من قبلها احداث تجمهر آلاف الأقباط بمنطقه كنيسه الطالبيه و العمرانيه و المنيب ، و تبدلت الي مظاهرة حب في شخص الرئيس و مشاهد دعم الرئيس السيسي في الانتخابات الرئيسيه جنبا الي جنب مع أشقائهم المسلمين ،و مسيرات دعم الرئيس خلال مؤسسات المجتمع المدني و الجاليه المسيحيه بخارج مصر .
و قد سعت الدوله جنبا الي جنب مع الكنيسه بمختلف طوائفهم الي حل مشكله الاحوال الشخصيه خلال اعمال لائحه جديدة و التي كانت عبيء ثقيل علي المسيحين و بالتالي الدوله ، فنجد سكون الملف تماما بعد ان شهدت عاصفه من التظاهرات أمام الكاتدرائية يوم ٩ سبتمبر ٢٠١٥ وكانت التظاهر من أجل ضحايا قوانين اﻷحوال الشخصية من المسيحيين الراغبين في الطلاق والزواج الثاني، وأيضا بعض المطالب الخاصة بالعلاقة بين رجال الدين و من صنفو أنفسهم بالعلمانيين، واﻹدارة المالية للكنيسة ، فشجع المناخ السياسي آنذاك ظهور حركات قبطيه و نشطاء لم نعد نراهم علي الساحه في ظل النظام الحالي و بعد ان شهدت البلاد أزهي فترة للتقارب بين القيادة السياسيه و البابا تواضروس رأس الكنيسه .
و لا شك ان فترة ولايه الرئيس الثانيه تعد افضل من الاولي ، من حيث العلاقه مع الاقباط ، و بعد ان اصبح المجتمع جاهز لعمق الاتساع الفكري نسبيا ،مكافحا الفكر التشدد و تراجع دورهم ، حتي نجد انفسنا حائرين امام زيارة الرئيس السيسي في عيد الميلاد ، فتوصيه الرئيس بنفسه علي شخص قداسه البابا تواضروس تعد الاولي من نوعها ان يوصي جموع الاقباط من داعميه الذين يمثلون الرعيه علي رأس الكنيسه و راعيها ، فنغوص في اعماق كلمه الرئيس و تقديرة الشخصي لقداسته ، مما يؤكد اننا امام حقيقه و هي تمتع الرئيس بحب الاقباط اكثر حتي من راعيهم ، فثقه الرئيس ان يقف امام شعب الكنيسه يطلب منهم ذلك لم تأتي من فراغ بل توثيق لعهدة الذي اسس فيه هدم كل الاسوار بين الاقباط و بين الرئيس ، و حتي المواطن المسيحي البسيط يعي اننا امام نتيجه طبيعيه لترسيخ دوله المواطنه الحقيقه ، فأصبح المواطن القبطي يطلب من الدوله مباشرة أحتياجاته بدلا من ان يدخل رجال الكنيسه وسطاء معه في كل خطوة بل انعكاس ايجابي لوعي المواطن المسيحي الذي ادرك ان الكنيسه مؤسسه داخل الوطن تعود بالنفع علي الجميع و ليس بديل لتفاعله الذاتي تجاه وطنه الاصلي ، و تخلص من عقدة الاضطهاد التي كانت متأصلة داخله و مدفونه في الاعماق سنين كثيرة ، فنحن امام اجيال تنشأ في مناخ سوي تختلف كثيرا عن فكر الاجداد ،و لعل يتسم نظام الرئيس السيسي بتوزيع الادوار علي بعض الأساقفة بجانب البابا تواضروس ، حتي نري نجاح شخصيات قبطيه سواء في قائمه تمثيل الشعب و الشيوخ او الفردي ، حيث كانت بدعم من بعض الاساقفه و ليس بدعم قداسته مباشرة ، فلم يعد لدي القيادة الكنسيه اليد المطلقه في الاختيارات او المواقف ، بعكس الانظمه السابقه .
و نجد ايضا انعكاس ذلك في بعض القضايا اهمها اختفاء القبطيات ، فالطبيعي ان تعود الثقه بين الجهاز الامني و بينهم بعد كل مراحل التطور ، و تقوم الاجهزة بدورها في ارجاع الفتيات دون لعبه ضغط ، فقلت اعداد المختفين نسبيا عن الاعوام السابقه ،و اختتمت الزيارة عام ٢٠٢١ بأطلاق صراح ناشط حقوقي مما زاد من كسب ود الاقباط بل يشكل انفراجه مقبوله دوليا في ملف الحريات بالتزامن مع منتدي شباب العالم .و بعد التغيرات الجذريه في طابع الريف ، نري تغير اخلاق القريه و وصول الاحداث اسرع عبر صفحات التواصل ، و هكذا ايضا خروج المرأه القبطيه من خلف الكواليس ، تلك المرأه التي عانت كثيرا و كانت تقبع داخل البيوت بدون اختلاط ، فمن المعروف ان الاسرة القبطيه منغلقة علي نفسها ، و لكن هذة الايام نري مشاركات واضحه في فاعليات وطنيه بعيدا عن الكنيسه ، و ايضا تطور ذلك الي خروج بعض السيدات عبر البث المباشر تحكي مشاكل بداخل اسراها و تطلب عون رجال الشرطه كمثل اي امرأه طبيعيه تعرف ما لها من حقوق و دون تدخل الاب الكاهن و دون ان ترهب نظرة المجتمع لها التي تغيرت الي الافضل كثيرا ، فصارت هذة الامور طبيعيه 
و لعلنا نتطلع الي مستقبل افضل و لكن نسأل انفسنا ماذا سيحل بالأقباط في الانتخابات الرئاسيه القادمه او ماذا سيكون مستقبل الاقباط بعد خمسه عقود ، هل يستطيع اي حاكم كسب معركه الانتخابات دون تأييد الاقباط و الحشد في الانتخابات بدعم واضح من الكنيسه ؟ حتي يكون حقبه النظام الحالي درسا لأي دوله تريد استقرار حقيقي لمواجه التحديات الراهنه و الصمود ، و اطرح سؤالا جديا هل ستحيا انجازات الرئيس علي المدي البعيد ؟ و الحقيقه ان أقباط مصر لم ينفع معهم الاقتناع الداخلي بأنهم اقليه عدديه ، و زاد تنافس الشباب و المرأه المسيحيه علي المقاعد و الكراسي ، فلم يعد كبتهم و الدفع بهم وراء المشهد يجدي نفعا ، فالمشهد العالمي نفسه يقول ان المرشح الفائز لابد ان يحتوي حتي الفئات المهمشه و التي لم تشكل فارق في السابق ، فوجد الرئيس بايدن و من قبله ترامب الكنيسه ملاذ امن و دعمته كتله البروتستانت و حاول ترامب استقطاب “أولاد الفخورون” في معركته و لذلك من المستحيل ان يأتي حاكم يعيد الاقباط الي دائرة الصفر او حتي يحجم من حريتهم و تطلعاتهم بالتصادم مع رغابتهم او يدخل الجهاز الامني في حلقه مفرغه كما كان بالسابق ، و مما لا شك فيه ان دور رجال الكنيسه ايضا تغير و صار اقل تأثيرا مع الاقباط و تراجع دورهم بعد ان ظلو مسيطرين علي اختيارات الاقباط لسنوات ،و لا اعتقد ان يعود هذا الدور مستقبلا بعيدا عن مشاركه ابنائها بطريقه منفصله كمواطن مصري من الدرجه الاولي .
و لعل ينتظر مسيحيو مصر البت في كثير من القضايا علي طاوله الرئيس القادم بعد انحصار الحوار الوطني بعيدا عن مرمي ملف المواطنه ، اهمها خروج قانون للأحوال الشخصيه ، و الاهتمام ببناء الكنائس و تسهيل صيانتها في القري ليس فقط المدن الحديثه ، فلم يعد يهرول الاقباط نحو أكبر و افخم كاتدرائيه فحسب ، في حين انه عشرات الكنائس تحتاج لمجرد سقف و تناسب المساحه مع مراعاه ازدياد العدد ، مما يجدون انفسهم امام جمود فكري و عرقلة التصاريح.
و الحقيقه انه لم يختلف كثيرا مطلب الاقباط علي طول الانظمه و هو تطبيق القانون علي الجميع و المتمثل في قانون مفوضيه عدم التميز الذي يقع فيها البعض داخل الأجهزة الامنيه من تمويع للقضيه عند الاصطدام بالمتشددين و طمس معالم المشكله علي اساس عقائدي و الذي يحدث في مناطق منخفضه الثقافه فترتعش يد الدوله و تسبب اهمال لأي شكوي من هذا النوع مهما بدت صغيرة لنبدأ نشتم شرارتها حتي تنتفخ و تدوي و تصيب ملف المواطنه بتصدعات تراكمية تعيدنا لنقطه الصفر حتي ينتهي الامر بضياع حق المعتدي عليه و الذي خضع لعملية ترهيب فكري و نفسي حتي يشعر بتهميشه كأمر واقع ، كما يأمل الاقباط بوادر انفراجه في ملف التضامن الاجتماعي فيما يخص قضايا الاطفال و دور الرعايه المسيحيه و التعامل بروح الإنسانية التي تعلو تغير القوانين .
و مازال الاقباط لديهم ثقه في الرئيس السيسي الذي يطمأن قلوبهم ، لأستكمال مدنيه الدوله و هيكله الملف بالكامل داخل الجمهوريه الجديدة و اصلاح جذري داخل الاعلام القبطي الوطني الذي يساعد المؤسسسات في توضيح الحقائق دون متاجرة و سد كل شقوق الماضي و تفعيل دور الدوله في المشاكل الطائفيه بقبضه مؤثرة و التي يسطو الفكر المتشدد كطرف دائم يفرض ثقافته الدونيه و يفسد اجواء المحبه و يعصف بأي جهود و يشتت ما رسخه الرئيس داخل قلب كل مصري .

أخبار متعلقة :