بوابة صوت بلادى بأمريكا

أمينة خيري تكتب : «تروما» الزلزال

 
 
تتقزم كل التفاصيل والمشكلات والمعضلات أمام مشهد زلزال شرق المتوسط. كل ذى عقل وقلب سيجد أن ما يعانيه فى حياته اليومية، سواء مشكلة فى العمل أو أزمة مالية أو خلافات أسرية أو هزيمة فريقه أو سعر البيضة أو وعكة صحية أو عدم وجود مكان لإيقاف سيارته أو صعوبة الامتحان، لا يستحق عصبيته وغضبه وحزنه ويأسه. ما جرى فى سوريا وتركيا وتبعاته يجعل الواحد منا مكسوفاً من نفسه إن شعر بالضيق أو الضجر لأن مديره فى العمل نكد عليه، أو لأن الأسعار أصبحت «نارا»، أو لأن برودة الجو منعته من الخروج. المقصود ليس اعتزال الحياة وعدم السعى وراء تحسين جودتها أو عدم المطالبة بتعديل مسارات خاطئة.
المقصود هو لحظات تكون راحة إجبارية للغضب والهرى والخناق والاحتقان. وإن لم تكن بغرض التقاط الأنفاس فى رحلة الحياة الصعبة وإعادة ترتيب الأولويات وإعطاء كل مشكلة حقها، وليس أضعاف ما تستحق، فلتكن لحظات مواساة لهذه الملايين التى ستعيش ما تبقى من حياتها وهى تحمل «تروما» ما جرى. هذه الآلاف التى قضت تستحق منا لحظات صمت ودعاء بالرحمة. وهذه الملايين التى تصارع اليوم من أجل إيجاد من فقدوا، بالإضافة إلى مأوى، لتبدأ بعد ذلك لملمة جراحها النفسية الأليمة والعميقة التى ستبقى معها للأبد. ليس المطلوب أن نولول وننتحب، فقط نأخذ نفساً عميقاً قبل أن نعود إلى ممارسة حياتنا. كل منا يتعامل مع مثل هذه الكوارث المروعة بطريقته الخاصة. ردود الفعل تختلف، وطريقة المتابعة تتراوح من شخص لآخر. هناك من يبحث عن فيديوهات التنقيب والبحث والإنقاذ لأنها مثيرة، أو مقاطع انهيار المبانى على رؤوس قاطنيها لأنها أقرب ما تكون إلى أفلام الأكشن. وهناك من لا يرى فيما جرى سوى دعوة لمزيد من الصلاة والتوبة وتأنيب النفس على المعصية سواء كان الشخص عاصياً أم لا. ونرى من رجال الدين (غير المصريين ولله الحمد)، من اعتبر أن سبب المصيبة المروعة عد انتفاض الدول الإسلامية «بالقدر الكافى» لدى واقعة حرق المصحف، بل هناك من أضاف أن أثر الزلزال كان يمكن أن يكون أقل خراباً لو كان رد الفعل أشد وأقوى. وهناك من صدق هذا التعليل!!، المسألة فى رأيى أبعد من مجرد فيديوهات مثيرة أو تعليلات عجيبة أو اعتبار ما جرى مجرد مشكلة دينية تتطلب صلاة أكثر وتوبة أعتى. وراء كل شخص فى كل من تركيا وسوريا مأساة تمشى على قدمين. قليل من التعاطف الإنسانى، ولو بالقلب، لا يضر. وقليل من ترشيد الهبد ربما يحمل قدراً من الاحترام لأرواح من رحلوا وسكينة لمن بقوا على قيد الحياة. وعسى أن يولد خير ما من رحم المأساة، وتكون فرصة لإعادة البناء. ويكفى أن ملامح تقارب وتعاطف بين الفرقاء فى سوريا تلوح فى الأفق الإنسانى.

أخبار متعلقة :