بوابة صوت بلادى بأمريكا

عبدالرحيم أبوالمكارم يكتب : من أعتز بمنصبه فليتذكر فرعون ، ومن أعتز بماله فليتذكر قارون

 
إن العبد يرهقه التفكير و الله تبارك وتعالى يملك التدبير ، فمن أعتز بمنصبه فليتذكر فرعون ، ومن أعتز بماله فليتذكر قارون ، ومن أعتز بنسبه فليتذكر أبا لهب ، إنما العزة لله وحده سبحانه وتعالى 
كل ما تملكه وترغب فيه وتسعى إليه أمور زائلة ومهما امتلكت من ملذات الحياة ستتركها يوماً ولن تأخذ معك سوى عملك جميلا كان أو قبيحاً ، فجاهد نفسك دائما وحاول أن تترك وراءك أثراً طيباً وسيرة عطرة.
فالجنة لا تحتاج لمناصب و كراسي أو لجاه و مال ولكنها تحتاج قلوب نقية ونفوس تقية.
وقد حكم أحد الملوك على نجار بالموت فتسرب الخبر إليه فلم يستطع النوم ليلتها
قالت له زوجته :
أيها النجار نم ككل ليلة فالرب واحد والأبواب كثيرة !
نزلت الكلمات سكينة على قلبه فغفت عيناه
ولم يفق إلا على صوت قرع الجنود على بابه شحب وجهه
ونظر إلى زوجته نظرة يأس وندم وحسرة على تصديقها
فتح الباب بيدين ترتجفان ومدهما للحارسين لكي يقيدانه
قال له الحارسان في استغراب : لقد مات الملك ونريدك أن تصنع تابوتا له
أشرق وجهه ونظر إلى زوجته نظرة اعتذار فابتسمت وقالت: أيها النجار نم ككل ليلة فالرب واحد والأبواب كثيرة !
العبد يرهقه التفكير والرب تبارك وتعالى يملك التدبير
لقد نهى الإسلام والأديان السماوية الأخرى عن التفاخر والمباهاة بالمال، وبين أنّ ملكيته الحقيقية لله عزّ وجلّ ، فقال تعالى في (الآية 284 من سورة البقرة): (لِلهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ)، وأن الإنسان مستخلف في ما خوله من فضله ومنحه من رزقه، قال تعالى في (الآية 165 من سورة الأنعام): (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ)، يقول ابن عطية: ليختبركم في الذي أنعم به عليكم ، أي امتحنكم ليختبر الغني في غناه ويسأله عن شكره ، والفقير في فقره ويسأله عن صبره.
 
قال رسول الله (ص): "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره في ما أفناه ، وعن جسده في ما أبلاه، وعن علمه في ما عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفي ما أنفقه". 
وهناك أسباب أخرى تدعو بعض الناس إلى المباهاة والتفاخر كالمنصب والعلم والجمال ، علماً بأن الله عزّ وجلّ هو المنعم عليهم بإيجادهم وإيجاد أعمالهم، فلا معنى لعجب عامل بعمله، ولا عالم بعلمه، ولا جميل بجماله، إذ كلّ ذلك من فضل الله تعالى وإنما الإنسان محل لفيض النعم عليه، وكونه محلاً لها نعمة أخرى تستوجب الشكر والخضوع. 
ولنا في رسول الله (ص) أسوة حسنة، فقد كان مثالاً في التواضع كان يرقع ثوبه بنفسه، ويحلب شاته، ويجلس على الأرض، ويصافح الغني والفقير. 
 إن التواضع وخفض الجناح ثماراً طيبة وآثاراً إيجابية على الفرد والجماعة ، كالتحابب والتكافل والتآخي ونظافة المجتمع من الحقد والكبر والأنانية، قال رسول الله (ص): "لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخواناً". 
إنّ الإنسان الذي يلزم التواضع ويجعله دينه في الحياة تصدر عنه الخصال الحميدة من الرأفة والرحمة وحسن الخلق وسلامة الصدر، 
لذلك نجد الله عز وجل يعد المتواضعين الذين لا يقوم في نفوسهم خاطر الاستعلاء والمباهاة بما أنعم الله عز وجلّ
يعد المتواضعين الذين لا يقوم في نفوسهم خاطر الاستعلاء والمباهاة بما أنعم الله عزّ وجلّ عليهم بقوله في (سورة القصص الآية 83): (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ للْمُتَّقِينَ).
 هكذا يتبين لنا أن الإسلام يمنع التفاخر الذي يؤدي إلى ازدراء الآخرين واحتقارهم ،  أما الاعتزاز بما قدمه الأسلاف ومواصلة طريقهم في البذل والعطاء فمرغوب فيه، لأنّ المنهج الإسلامي هو منهج الوسطية والاعتدال، لا يحرم الإنسان من أخذ حظه من متاع الدنيا، بل يحضه على ذلك ويكلفه به تكليفاً كي لا يزهد الزهد الذي يهمل الحياة ويضعفها، قال تعالى في (سورة القصص في الآية 77): (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا). 
فالمال والصحة والجمال والمنصب وعراقة النسب هبة من الله عزّ وجلّ وإحسان، على المرء أن يقابلها كذلك بالإحسان، إحسان التصرف فيها والشكر عليها مصداقاً لقوله تعالى في (الآية 77 من سورة القصص): (وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ).
أيها الناس اتقوا الله تعالى و اعلموا أن هذه الأموال التي بين أيديكم جعلها الله فتنة لكم ليتبين المحسن من المسيء و المفسد من المصلح ، قال تعالى  واعلموا أنما أموالُكم و أولادُكم فتنة و أن الله عنده أجر عظيم ، وقال تعالى "وهو الذي جعلكم خلائفَ الأرضِ و رفعَ بعضكم فوق بعضٍ درجاتٍ ليبلوكم أيما آتاكم"
ففي هذه الأموال فتنةٌ لكم في تحصيلها ..و فتنةٌ في تحويلها ..و فتنة في إنفاقها ..فأما الفتنة في تحصيلها فإن الله تعالى شرع لتحصيلها طُرقاً معينة مبنيةً على العدلِ بين الناس بحيث يكسبها الإنسان من وجهٍ طيبٍ ليس فيه ظلم و لا عدوان ، فمن الناس من اتقى الله تعالى و أجملَ في طلبها فاكتسبها من طرائق حلال كانت بركة عليه إذا أنفق ، و مقبولة منه إذا تصدق و أجراً إذا خلَّفها لورثته ، فهو غانم دنيا و أخرى ، و من الناس من لم يتق الله و لم يُجمل في طلبِ المال فصارَ يكسبه من أي طريقٍ أتيحَ له من حلالٍ أو حرامٍ ، من عدلٍ أو ظلمٍ ، لا يبالي بما اكتسب ، 
و أما فتنةُ المال في تحويله : فمن الناس من كان المالُ أكبَر همِّه ، و شغلَ قلبهِ إن قامَ فهو يُفكِّر فيه و إن قعد فهو يُفكِّرُ فيه ، و إن نامَ كانت أحلامُه فيه ، فالمالُ يملئ قبله و بَصرُ عينيه ، و سمْعَ أذنيه ، و شغل فكرِ يقظةً و مناماً ..
و أما الفتنة في إنفاقِ المال :فإن أصحابَ الأموال منهم البخيلُ ، الذي منعَ حق الله و حق عبادهِ في مالهِ فلم يؤد زكاةَ مالهِ و لم ينفق على من يلزمُه الإنفاق عليه من الأهل و القرابات ، و من أصحابِ الأموالِ من هو مُسرفٌ مُفرط يبذر مالَه و ينفقه في غير وجههِ و فيما لا يحمد عليه شرعاً و لا عرفاً فكان من إخوان الشيطان ، ومن الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس و لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر ، و من الذين يَخوضون في مال الله بغيرِ حق فتكون لهم النار يومَ القيامة .
أيها الناس :
إنكم لن تبقوا للمال و لن يبقى المال لكم إنما هو عارية بين أيديكم و أنتم سائرون في طريقكم إلى الآخرة فقد خرجتم إلى الدنيا بلا مال ، و ستخرجون منها بلا مال ، و إنما يتبقى لكم ما عملتم فيه من خيرٍ أو شر ، فلا تشتغلوا بما يفنى عما يبقى و لا تغرنكم الحياة الدنيا .
أيها الناس :
إن الظلم ظلمات يوم القيامة و أنتم تعلمون مصير الظلمةِ ، و الظلمُ في الأموال ليس مقصوراً على اغتصابها و سرقتها و قطع الطريق و النهب و السلب ، و التعدي على الأراضي و الممتلكات بل إن من أشد الظلم ما أخذ بطريقِ المعاملات المحرمة و تحت شعارِ البيع و الشراء مما تشوبه الخديعة و الكذب و الغش و التدليس و الأيمان الفاجرة ، يقول صلى الله عليه و سلم البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا و بينا بُورك لهما في بيعهما و إن كذبا و كتما محقت بركة بيعهما .

أخبار متعلقة :