" وحيد حامد وأحلام الفتى الطائر"
أو إبراهيم الطاير مسلسل للفنان" عادل امام" كان يذاع في أواخر سبعينات القرن الماضي فى شهر رمضان لا أحدثك عن نسبة مشاهدته الكثيفة الضخمة وشغف الناس به كنت أجلس من بعد المغرب بعد تناول الفطار فكان يذاع في شهر رمضان حتي أتمكن من حجز مكان في المقهى، شغفت بمشاهدته بإعجاب حتى التيه. نتفق أو تختلف مع الكاتب وحيد حامد ولكنه من أفضل من كتب للتلفزيون إن لم يكن أفضلهم على الإطلاق.
هناك كتاب يغوصون في النفس البشرية و يهملون حركة المجتمع وتطوره على جميع الأصعدة فلا يكن لهذه الأحداث نصيب يذكر من كتابته فيأتي العمل ذهني بحت وتحليل شخصيات كمحلل نفسي بارع يتجول بداخل نفوس شخصياته المغلقة يزيح طبقات مما تراكم عليها وطمسها من وعي زائف .
فيتسلل وحيد لداخل سراديب نفس شخصياته المغلقة وزوايا روحها المنسية أثناء صراعها وهي تحاول تحقيق أحلامها ويبرز على السطح نتيجة ذلك الصراع من خيبات لشخصياته، وهذه ميزة الأدب الذي يجعلنا عرايا أمام أنفسنا حتى نراها على حقيقتها في لحظة مكاشفة لم أضع في يوما من الأيام وحيد حامد في خانة كتاب السيناريو بل كنت أعده أديب كبير لأن بداخل كتابته كل ذلك... النسق الفكري والسياسي والاجتماعي للحقبة التي تناولها بداخل حوار أبطاله يقوم بتشريح حياتنا... يدمر وحيد حامد شبكة الأنساق المطمئنة وأسرار المسكون عنه في العلاقات، يضعنا أمام أنفسنا يزيل عنا كل وهم، نتجرد من كل ايدلوجية أو معرفة سابقة مزيفة، في عملية إزاحة : طبقات من الوعي الزائف الذي اخترعناه لنهرب من المواجهة مع أنفسنا من حقيقتنا التي ترسبت في أعماقنا هنا يضعنا الأدب الكاشف الحقيقي الكاشف في محاولة للتصالح مع أنفسنا... أعتقد أنه من يريد أن يعرف ماذا حدث بمصر من تحولات المجتمع الثقافية والاقتصادية و طبقاته صعودا وهبوطا مصر في الخمسين عام المنقضية لابد أن يطلع أن يقرأ أو يشاهد أعمال وحيد أو وثائقه التي تركها .... يفعل ذلك أحيانا أسامه أنور عكاشه فيأتي عمله شبه ذهني بحت يبدأ وينتهي في الذهن دون ملامسة الواقع وحركة التاريخ والمجتمع الذي ينتج العمل أعمال عميقة يغلب عليها التحليل النفسي ولكن له أعمال مست المجتمع وتحولاته وهي تناولت أحداث الحارة المصرية ومنها بالطبع رائعته "ليالي الحلمية 'والراية البيضة"
أما وحيد حامد فعمله يجمع بين العمق وبالغوص النفسي في نفوس أبطاله، و وأيضا تشريح المجتمع وتطوره و نمو الشخصية وتطورها منطقياً من خلال الأحداث بسلاسة من خلال علاقه جدلية بينها وبين المجتمع في تأثير متبادل فيما بينهم.
إبراهيم الطاير كان يمثل طبقه ظهرت بعد حرب ٧٣ طبقة قامت باستغلال سياسة الانفتاح بصورة أو بطريقة خاطئة وهي على فهمها له من وجهة نظرها الابتلاعية على أنه فرصة للثراء السريع الذي يتمثل فى خبطة أو عملية واحدة أو أكثر حتى يتحول لقطة سمينة على حد تعبير الرئيس السادات في وصفه لهذه الشريحة... كان الثراء هو حلم الفتي الطاير أيضاً مثله مثل الكثير حتي وإن كان من طريق الخطأ وعالم الجريمة رسمه وحيد حامد شخصية إبراهيم الطاير ببراعة وحرفية شديدة وغوص في نفوس الشباب الشمال الذي لم ينل قسط كبير من التعليم وكانت شخصية الطاير الترجمان الحي على أرض الواقع لهم، جعلتنا أو جعلتني هذه الصياغة لإبراهيم الطاير أنا الصغير أعجب وأحبه قبل أن أتعاطف و أتوحد معه فى مغامراته الخاطئة الخارجة على القانون والدين والعرف والمجتمع كل ذلك في إثارة وتشويق تلهث من أجل المتابعة.
لن تتركك مشاعرك بعد مشاهدة المزيد من الحلقات على الحياد أما مع أو ضد لم أستطع إلا أن أحب الفتي الطائر أكثر كلما تابعت المسلسل ولكن كان حتما لابد أن تنتهي أحلام الفتي الطائر والمسلسل ولاب أيضاً أن تكون النهاية منطقية لمن يسير ويسلك طريق الجريمة وما تؤدي إليه من شرور يموت الفتي الطائر ،لا أحدثك على حزني عليه كنت أتمنى على المؤلف أن يكتب نهاية لأحلام الطائر غير الموت كيف يموت وتموت جزء من مشاعري برحيله، بعد كل هذا التوحد وتعاطفي معه في لحظات كثيرة كنت أدعو الله بيني وبين نفسي من شدة خوفي وحرصي عليه أن لا يمسه سوء. كانت تنتهي الحلقة من المسلسل ولا يكون للناس حديث في صباح اليوم التالي حديث، إلا أحداث حلقة الأمس و الحلقة القادمة من مساء اليوم وماذا ؟؟ تتساءل الأغلبية ماذا سيحدث خلالها وما هي المغامرات الجديدة التي سيقوم به الطائر ، وما هو مصير بطلهم المفضل ؟... ما زلت حزينا إلى الآن على موت الفتي الطائر الذي كنت أتمني بأن يعيش... ما زلت إلى الآن حريص على أن أشاهد كل ما يقوم به عادل امام من أعمال وليس هناك داعي أن أذكر أنني أصبحت أشد حرصاً وبنهم وشغف أكثر من ذي قبل على متابعة كل ما يكتبه الأديب وحيد حامد...
أخبار متعلقة :