بوابة صوت بلادى بأمريكا

مدحت بشاي يكتب: صندوق غنائم مكافحة الفساد

 

لاشك أن المواطن المصري لديه ميل فطري إلى حالة من التدين الفطري الجميل والاندفاع نحو عمل الخير وبذل العطاء بكل أشكاله وألوانه ، ويظهر ذلك جليا عندما يثق في الجهة الراعية أو المنظمة للعمل الإنساني بشكل عام .. و قد تختلف المسميات والوسائل التقليدية المستمرة التي يؤدي بها فرائض دينه لعمل الخير.. فإذا كانت هي " زكاة " عند المسلم فهي " العشور " عند المسيحي [ والعشور تعني أن تصل حجم هبات الفرد 10% من مجموع دخله الفعلي ] ..

منذ خمس سنوات صرح د. صفوت النحاس الأمين العام السابق " لبيت الزكاة و الصدقات المصرى "، كشف فيه أن حجم الوعاء الزكوى فى مصر يبلغ أكثر من 50 مليار جنيه ،لافتا إلى أن بيت الزكاة يتلقى يوميا ما يقرب من مليون وربع ، مشيرا إلى أن البيت يستهدف الوصول إلى تلقى 3 ملايين فى اليوم فى غضون سنة..  فإذا ما تم إضافة حجم أموال العشور والهبات المسيحية وهي تمثل أيضاً في اعتقادي رقم لا بأس به ، وأيضاً المساعدات الاجتماعية التي تخصصها الدولة لتقديم المعونات والمساعدات النقدية والعينية للفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة ، وأيضاً ما تعلن عنه المئات من الجمعيات الأهلية من أموال ومساعدات تخصصها لعمل الخير .. فهل لنا أن نتصور الرقم .. إنه بالقطع رقم رائع وكفيل على الأقل لمواجهة مشكلتي أطفال الشوارع والتسول على أرصفة المحروسة وعلى أبواب المساجد والكنائس في ظاهرة رذيلة وقبيحة .. ويبقى السؤال : لماذا لا يحدث ؟‍‍!!

منذ أكثر من 70 عاماً يذكر كاتبنا الكبير توفيق الحكيم في مقال له بعنوان " الشحاذون " يقول ( الحياة في مصر لهو في لهو ، وتعطل إلى جانب تعطل ، وفراغ إلى جانب فراغ .. الجميع من شبان وسياسيين ، وقادة ومقودين ، لا عمل لهم غير التطلع إلى خيول " المناصب الحكومية " الخشبية وهي تدور !‍ .. وهذا الروح العام قد أثر في روح الشعب كله ، فنحن لانكاد نرى طرقات مصر خالية من أناس أشداء يتنطعون أمام موائد المقاهي ، ويمدون أيديهم يطلبون شيئاً ، لقد سرت روح التسول بأشكاله المختلفة في كل طبقات الشعب ، الجاهل منها والمتعلم ، وكدنا نعتقد أن مصر قد نسيت أن في الوجود شيئاً يُسمى العمل والكدح والاعتماد على النفس ، وأن مصر أصبحت بلداً تخفق عليه راية " التسول " العام ...."  إنه عرض مؤلم وتحليل اجتماعي محزن لظاهرة التسول في زمانه برؤية كاتب كبير ، ورغم مرور كل هذه السنوات فإننا ــ وللأسف ــ مازلنا نتابع ممارسات لرذيلة التسول ونحتاج مواجهة الأسباب والأفعال الداعمة لتلك الظاهرة ، وعلى سبيل المثال بدلاً من نظم أتفق الناس على رفضها مثل قرار إنشاء برامج متميزة في الجامعات للأثرياء في العصر المباركي ، وأن يُطلب من المتفوقين شهادات فقر للالتحاق بها ... بل وصل الأمر للتسول بأطفال مرضى السرطان بعرض آلامهم وتصويرهم بعد أن ذهب المرض بشعر رؤسهم بمتاجرة إعلانية غير مقبولة إنسانيا وتربويا ..

لقد تناولت مؤخراً في كتاباتي  عن أموال الفاسدين والمفسدين التي تضع الحكومة يدها عليها عبر الآليات الرقابية النشطة والرائعة في الفترة الأخيرة، واقترحت إنشاء صندوق مالي يمكن أن نطلق عليه " صندوق غنائم مكافحة الفساد " يتم الصرف من إيراداته على أهل الاستحقاق بدلاً من عودتها إلى ميزانية الدولة ، فلو تم اكتشاف عشرات الأطنان من الأغذية الفاسدة أو زجاجات مياه غير صالحة أو أدوية مغشوشة ، لماذا لا يتم تغريم صاحبها الفاسد بالمبلغ الذي كان سيبيعها به ليدفعه بعد مصادرة البضاعة القاتلة على سبيل المثال لتوريدها للصندوق المقترح ، وقد وصلتني العديد من الرسائل المؤيدة للفكرة ، بينما البعض الآخر يراها فكرة لا تتفق مع آليات البيروقراطية العتيدة ، ولكن ألا يرى هؤلاء أن ظاهرة التسول في بلادي قد تذهب بنا إلى حالة باتت تشكل مظاهرها وتداعياتها خطرًا على السياحة والاقتصاد  والأمن العام ؟!

 

مدحت بشاي

Medhatbe9@gmail.com

 

أخبار متعلقة :