بوابة صوت بلادى بأمريكا

منى بارومه تكتب: مبارك في محكمة التاريخ

لاشك أن للموت جلال وحرمة تجعلنا نترحم على الميت، ولكن عندما يتعلق الرحيل برموز سياسية وزعماء، تحكموا في مصير أمم وشعوب يختلف الامر.

هنا يكون الرحيل مفتاحا لمحكمة التاريخ وضمير المؤرخين وميزان الأجيال . بمعنى آخر. الوعي بالتاريخ يجعل الشعوب الناضجة تضع تقييمها للزعماء في كفة الموضوعية التاريخية دون أن نغرق في مستنقع النفاق او الرياء العاطفي .
قد يقول قائل كيف يكون النفاق لميت؟ وهنا يفسره علم النفس بأنه ليس للميت بقدر ماهو لذات المنافق، بمعنى أن تصور المرء عن ذاته يجعله مخلصا لتصوراته السابقة، والتنازل عنها تماما مثل الجلاد الذي يعشق جلاده وهذا ماحدث مع هتلر وموسيليني الذين كانا أبشع نموذجين لحكم الطغاة وفرقا بين الزوج وزوجه، وأسسا محارق للمعارضين. نفس الشئ فعله ستالين و نابليون ونايرون، ومع ذلك وجدوا من بين ضحاياهم من يتباكى عليهم بالدموع الساخنة.
وهنا فضلا عن النظريه السابقة، لدي الشعوب العربيه والشرقية عاطفة النواح، و ذاكرة السمك التي تنسى الحقيقة والوقائع من اصلها.
وهذا ما جعل المصريون يلتمسون الاعذار لأباطرة الفساد أيام الملكيه التي يعتبرونها العصر الذهبي لمصر، رغم أنه كان عصر احتلال، ولم يكن الملك نفسة يستطيع منع المندوب البريطاني من التسلل لمخدعه وخطف زوجته أو عشيقته.
ثم بعد ذلك بررنا النكسة وبكينا على ناصر والسادات رغم ما ارتكباه من أثام في حق الشعب، وهي الأثام التي جعلت دوله مثل اليابان- تعلمت منا السكك الحديدية والصرف الصحي سابقا- الفارق بيننا وبينها سنين ضوئية كما الفارق بين العصر الحجري والعصر الحالي.
و السادات الذي حضن الإخوان وكبرهم كما أطعم حيتان الفساد، وزرع شجرته السامة في ربوع الوطن، واختار مبارك نائبا له يسير على نفس النهج الأسود، وبدلا من تصحيح أخطاء سابقيه عاد بمصر سنوات للخلف، قزمها وصغرها وحقرها .
نعم ارجعوا للتاريخ، مبارك ترك أفريقيا لإسرائيل وإيران وتركيا بعد محاولة اغتياله، فكان سد النهضة.
ترك مصر فريسة للفقر والمرض والجهل لانه لم يكن بني وده ومكانتها .
مكن السماسرة ورجال الأعمال من الحكم فأفسدوا، وكانت فاتورة الفساد ألف رجل أعمال يمتلكون المليارات من الدولارات بالخارج وأكثر من نصف الشعب تحت خط الفقر، والشباب ينتحر او يهاجر، والمواطن يموت غرقا في العبارات أو حرقا في القطارات، أو أثناء حضور مباراة كرة قدم، وعندما وقف المعارضون قبل يناير أمام دار القضاء قال “سيبوهم يتسلوا”.
مبارك غير مادتين في الدستور ليورث الحكم لابنه وزور الانتخابات البرلمانية تزويرا فاضحا، ودشن برلمان التزوير في 2010، وللاسف أحد أبرز المزورين دخل البرلمان مرة أخرى.
مبارك ترك وطنا بلا ظهر او بطن، شعبا منهكا بالمر ض، ملايين من ضحايا فيروس سي، ومستشفيات تقتل مرضاها وتعليم فاسد وديون وبطالة، وسياسة خارجية جعلت أصغر دولة خليجية لها صوت وصورة أيضا، بينما نحن في الظل والظلام.
مبارك ارتكب أكبر جرم يمكن أن يرتكبه أي نظام، وهو زواج الثروة بالسلطة، فجعل رجال الأعمال وزراء، فنهبوها وسرقوا خيرها حتى سقطت القاع.
كان لدينا وزراء زراعة يمنعون زراعة القطن لان شركاتهم استوردت من الهند، وكان أولاد مبارك شركاء لهم .
وإذا انفتح ملف فساد مبارك ونظامه سنحتاج عشرات المجلدات.
رحل مبارك الإنسان الله يرحمه، لكن الفاسد سياسيا والظالم لشعبه والطاغية، فهذا حكم “عمنا” التاريخ وله رأي آخر.

 

أخبار متعلقة :