بوابة صوت بلادى بأمريكا

ياسين العيوطي يكتب: ما هي الحقيقة؟!

        هذا سؤال حيّر الأجيال، وتحدى الزمن.

        هل هي الصدق أم صحة القول أم الحق أم الواقع؟

        في جو من بلايين الكلمات الطائرة في الجو، تلبس الحقيقة النقاب الذي يغطي وجهها كله. وراء هذا النقاب تقبع الحقيقة مغمضة، والزهن مغيّب، والتفسيرات المتناقضة تتصارع من كل جانب.

        الحقيقة هي ما يعتقده كل شخص بنفسه. إذ أن حب الذات يؤدي إلى البحث عن الذات. وهو بحث يؤدي بالباحث إلى دهاليز من الخرافات والمفتريات والأكاذيب التي تصوغهاالسوشيال ميديا.

        ينطبق على هذا كله المقولة الضاحكة التي تنادي بأن ”الجهل نور!!“.

        ولنضرب الأمثلة على هذا التخبط البشري في البحث عن الحقيقة بعيدا عن الأديان.

        ثارت مصر عدة مرات: فأي الثورات يجدر بنا أن توصف بالثورة؟! لا نرى في ثورة 1952 ثورة. نرى فيها انقلابا شاهدته بعيني رأسي عند شارع مصر والسودان بالقاهرة في 23 يوليه 1952. حينذاك رأيت الراحل اللواء محمد نجيب وقد اعتلى عربة عسكرية خلف دبابة.

        ولكني رأيت والدي في أوائل الثلاثينات وهو الأزهري ينعي وفاة سعد زغلول أمام الجماهير في قرية القنايات شرقية وهو يهتف ”يحيا سعد“. ويردد الملايين من الفلاحين هذا الهتاف حاملين الفؤوس على أكتافهم كسلاحهم الأوحد.

        ثم مضت الأيام ورأينا ميدان التحرير (ميدان الإسماعيلية سابقا) يعج بالجماهير التي توافدت طواعية من كل جانب في 25 يناير 2011. ولها مطلب واحد للرئيس مبارك يقول ”ارحل“. وقد رحل.

        الثورة تبدأ من الشارع والانقلاب يبدأ من ”الأوشلاق“. أي من أعلى مراكز السلطة سواء كانت مدنية أو عسكرية. ولا يمكن أن يستوي هذان المعنيان.

        ثار الجيش تحت قيادة أحمد عرابي الذي نشأ في قرية هريةرزنة، وهي قريبة من القناياتقريتنا بمحافظة الشرقية، في أواخر القرن التاسع عشر. ثار هو ومساعده الذي سمي حينذاك ”أبو شنب فضة“، وأجهض الخديوي توفيق تلك الثورة بمعاونة الاحتلال البريطاني. بل إنه استعرض القوات البريطانية في ميدان عابدين.

        الإجهاض لا يعني الإخماد. إذ أن الإجهاض يليه عادة الحمل مرة أخرى. إنها مصر الولاّدة العظمى.

        وهذا هو الصدق في إطار من صحة القول ويقف على ساقين: إحداهما اسمها الحق، والأخرى اسمها الواقع!!

 

 

بقلم: د. ياسين العيوطي
المستشار القانوني وأستاذ القانون بنيويورك

أخبار متعلقة :