فرانسوا باسيلي يكتب: الكفر هو أن لا تؤمن بالإنسان

فرانسوا باسيلي يكتب: الكفر هو أن لا تؤمن بالإنسان
فرانسوا باسيلي يكتب: الكفر هو أن لا تؤمن بالإنسان

التكفير والتفكير 


حكاية تكفير الآخرين، وإطلاق صفة "كافر" علي كل من يفكر فكراً مختلفاً عن ألدين أو الألوهة، حكاية منتشرة في مصر منذ أن تسيد الفكر الإخواني السلفي علي المجتمع المصري في نهايات السبعينات وإلي اليوم، رغم إفتضاح تخلف وبدائية هذا الفكر بعد ثورتي 25 يناير و30 يونية. 

ولأن في الواقع لا يوجد إثنان علي الأرض يفهمان طبيعة الإله الخالق بشكل مطابق تماماً تصبح حكاية تكفير الأخرين حكاية بالغة الجهل بطبيعة البشر وطبيعة الإله معاً، وبالتالي تصبح أمراً مرفوضاً تماما في المجتمع المدني المعاصر. 

لقد آن لنا أن نعلن أن الكفر هو أن لا تؤمن بالإنسان.

 

مؤمن أم وريث؟ 

في مكتبة والدي أبونا بولس باسيلي قرأت في صغري كتاباً بالعربية في الأديان المقارنة، أستغرب إلي اليوم كيف يظل إنسان يؤمن بدينه الوراثي ويدافع عنه باستماتة دون أن يقرأ كتاباً أكاديمياً عن الأديان الاخري؟ بدون هذه المعرفة يصبح الأمر كله وراثة فقط .. لا إيمان ولا يحزنون..

هل قرأت في تاريخ أو مقارنة الأديان؟

إذا لم تفعل فأنت لست مؤمناً، أنت مجرد وريث  

 

شماعة النخبة

غير صحيح أن مصيبة مصر كما يدعي البعض هي النخبة الفاسدة أو المتهاونة أو المتلونه أو المهادنة أو المخادعة أو الجبانة أو غيرها من الإتهامات، النخبة هي - بحكم تعريف الكلمة نفسها - هي أفضل ما لدي الجماعة، فإن كانت النخبة موسومة وموصومة بنقائص معينة فالجماعة لديها نفس النقائص بشكل أكبر، النخبة هي الأكثر ذكاء ودهاء وقدرة وموهبة وإبداعاً في كل مجتمع، لا معني للقول أن النخبة في مصر فاسدة إلا إذا كانت الجماعة كلها فاسدة أساساً.

خذ مثلاً النخبة في المجال الثقافي الإبداعي، هل نجيب محفوظ وعبد الوهاب وأم كلثوم والسنباطي وحليم ويوسف ادريس والمبدعين في الأدب والشعر والفن والعلم من الأجيال التالية لهم، هل هم مصيبة مصر؟ بالعكس، هم من رفع مصر من الهاوية، هل حركة كفاية التي قامت بها النخبة الوطنية مع الشباب الوطني كانت هي مصيبة مصر؟ بالعكس، هي من أجمل تجليات النخبة الوطنية المصرية، ومصر بدون هذه النخب الثقافية الإبداعية الوطنية ستكون في منزلة أقل بكثير مما هي عليه بهم، فالمصيبة ليست مصيبة النخبة.

ما هي مصيبة مصر إذن؟

مصيبة مصر التي اسقطتها إلي قاع الأمم خلال نصف قرن مضي هي حالة الدروشة الدينية، بمعني الهوس والشطط الديني العاطفي المنفلت بلا لجام من العقل والعلم، غالباً بتشجيع القيادة السياسية والدولة التابعة لها.

دور النخبة هو كشف وفضح ومقاومة هذا الهوس بما تملكه النخبة من إبداع ومواهب فنية وأدبية وعلمية. ربما كان هناك بعض التقصير من البعض داخل النخبة، ولكن كانت هناك انجازات ومحاولات أيضاً، والبعض من هذه النخبة دفع الثمن ودخل السجون و حرم من المشاركة ورغم هذا لم يتحول ولم يتاجر بموهبته، بالطبع البعض سقط ولكن هذا لا يعني أن النخبة كلها سقطت.

ابحثوا لكم عن شماعة أخري.


 السعودية والحرب 

تدور حالياً مناقشات حول ما فعلته إيران من ضرب بعض محطات تقرير البترول في السعودية وهل تقوم الولايات المتحدة بضرب إيران عقاباً لها.

مئات البلايين من الدولارات اشترت بها السعودية أسلحة من كل نوع، وما تزال تطلب من أمريكا الدفاع عنها وضرب إيران نيابة عنها، ما نفع السلاح إذن؟ كان يمكن للأموال الهائلة المهدرة علي السلاح طوال نصف قرن أن تبني الشرق الأوسط كله من جديد، كثرة السلاح لا تجدي مع غيبة العقل والعلم، السلفية ليست فقط مذهباً دينياً، هي نمط تفكير وحياة رجعية بدائية في السعودية.

هل قدمت السلفية شيئاً مفيداً للبشرية أو حتي للعرب؟ هل أفادت السعودية نفسها والتي لم يفدها سوي البترول الذي اكتشفه واستخرجه لها العقل والعلم العصري الغربي؟ السلفية دعوة خارجة عن العصر بتعريف اسمها نفسه، فلماذا تبدو مصر عاجزة عن فضح مدي الضعف والتهلهل الضارب في جسد هذه الدعوة شكلاً وموضوعاً، فكراً وفعلاً؟ 

 

جهاز صباع الكفتة

رغم أن التعليم حتي الثانوية إجباري ومجاني في مصر منذ ما يقرب من قرن، كيف أخرجت مصر هذا العدد الهائل من الجهلاء؟

أناقش بعضهم فأدهش ليس لغياب المعلومات فقط ولكن لغياب القدرة علي الحوار المنطقي العادي، مجرد تقديم الدليل وإستخراج النتيجة من السبب، ولكن من أين يأتي العلم والفهم في مجتمع التهريج وكدة وكدة، مجتمع يفتخر بقدرته علي علاج فيروس سي بجهاز صباع الكفتة ويفتخر بأنه من دهن الهوا دوكو وبأن العملية في النملية. 

 

أحزان العام العشرين

في حوار مع نادي الشعر بالإسكندرية دار في الفيسبوك كانت الأسئلة موجهة لي، وإجابتي لواحد منها ..

متى كانت لحظة إكتشاف موهبة الكتابة لديكم ؟

لا استطيع تحديد اللحظة لكن كنت أعشق الكتابة منذ صغري، وقبل أن يكتب الإنسان عليه أن يقرأ، وكان في بيتنا مكتبة ضخمة لوالدي بها كتب في الأدب والشعر والدين والأديان المقارنة مما منحني القدرة علي الإنفتاح علي تعدد الثقافات والمعتقدات،

وبدأت القراءة علي صفحات مجلة "سندباد" للأطفال، وكانت مجلة بديعة يزين غلافها كل أسبوع الفنان الكبير بيكار،  فكانت تمنحني جرعة أسبوعية من القصة الراقية والرسوم الفنية المبدعة، ولهذا أتمني عليكم أن تكون ببيوتكم مكتبات، ثم أن تقدموا لأطفالكم الفرصة لقراءة مجلات بشكل منتظم. 

و أذكر أنه كانت لي قصيدة مبكرة بعنوان "أحزان العام العشرين" انعقدت علي اثرها جلسة عائلية إشترك فيها الأعمام والعمات وقد أصابهم جميعاً الهلع أن يكون هذا الشاب الهاديء الطالب في كلية الهندسة جامعة القاهرة ولديه كل شيء من عائلة مستقرة محبة إلي أصدقاء كثيرين إلي دراسة في أهم كلية وقتها، أن يمكن له أن يعاني من أحزان في عامه العشرين،

ولكن كانت بالطبع أحزان وجودية إنسانية عامة غير مرتبطة بالضرورة بمشكلات شخصية، ولكن لا شك كان غياب العلاقة العاطفية في تلك الفترة عاملاً من عوامل الحزن فلم يكن المجتمع في الستينات يسمح بعلاقة عاطفية بين الجنسين في هذا السن ولا كانت هناك فرص للتعارف كما توجد الآن.

بعد ذلك بعام أو عامين كتبت قصيدة مبكرة نشرت بعد ذلك في مجلة "مواقف" التي كان يصدرها في بيروت الشاعر العربي الكبير أدونيس، ومطلعها هذه الأبيات ..

 

أكثر ما يحزنني أن اليوم الآن قصير 

والأفراح قليلة 

والكلمات تقال هنا وهناك بلا حيلة 

......

أكثر ما يحزنني أن القلب الآن يعيش 

في صحراءٍ خاويةٍ وبرودة 

فالأمل الضائع ضائع 

والأشياء المفقودة مفقودة