الوحش الأحمر العربي في أمريكا (قصة قصيرة) بقلم راغدة شفيق محمود - أحمد محمد أبورحاب

الوحش الأحمر العربي في أمريكا (قصة قصيرة) بقلم راغدة شفيق محمود - أحمد محمد أبورحاب
الوحش الأحمر العربي في أمريكا (قصة قصيرة) بقلم  راغدة شفيق محمود -  أحمد محمد أبورحاب

عندَما كانتْ قافلةُ الإبلِ تسيرُ وهي تئنُ من التّعبِ بسببِ تشققِ خفها من صخورِ الصّحراءِ الأمريكية الحارة والّتي تختلفُ عن الصّحارى العربيّة المشهورة برمالها الذّهبيّة النّاعمة , كانَ الحاجُ علي يمسحُ قطراتِ العرقِ عن جبهتهِ السّمراء برفقةِ الجنودِ الأمريكيين وقد علّمهم طريقةَ ركوبها وإخضاعها لأوامرهم . أشارَ بيدهِ  للجندي ديفيد ضاحكاً ورعدَ صوتهُ هاي ديفيد فبادرَهُ هاي جولي واستمرتِ الرّحلة لأيامٍ في تلك الصّحراءِ الحارقة اللاهبة .
كانَ الحاج علي شاباً قويّ البنيّة محباً لمن حوله حتّى الإبل كانت تخضعُ لأوامرهِ . لم يكن متفائلاً في صباحِ هذا اليوم لاحظَ أنّ خفَّها قد  تشققَ بسببِ الصّخور الّتي تشبهُ السكاكينَ الحادةَ , وهي قد اعتادتْ على الرّمالِ الناعمة وقد تعلّم من والدهِ أنّ خفّ الجملِ هو مخزنٌ أساسي للماءِ على صورةِ سلاسل تلتفُ كجديلةٍ كلمّا زادَ الماء .
ولكنَّ هذه الخف المصابةُ تخبرهُ أنّ الإبل ليست بخير .

كان أتحاد الولايات الأمريكية جديدآ ووليد فحاول الرئيس الأمريكي (جيفرسون )توثيق الصلات بين الولايات الغربية والشرقية في بلاده 
فخطر للرئيس الربط بين تكساس في الشرق وكاليفورنا في الغرب وكان بينهم صحاري شائعه صعبة الاجتياز . ولايمكن الا للجمال تحمل مشاق عبورها ... 
ولم يكن في أمريكا الشمالية كلها جمل واحد 
فطلب الرئيس نقل بعض الأبل من شمال أفريقيا و نقلت أول دفعة وهي عباره عن 32جملآ
وسافر معها (الحاج علي) مدربا 
كانت مهمته تدريب الجنود الأمريكين علي ركوب الأبل وطريقة التعامل معها ورعايتها.

قبلَ سفرهِ كانَ خائفاً . والدهُ الّذي توسلَ لهُ لا ترحلْ يا بني هناكَ خلفَ بحرِ الظلماتِ يعيشُ بشرٌ لا يشبهوننا قتلةٌ وفي البحرِ تنانين تلتهمُ السفن . بكتْ والدتهُ لأيامٍ طوال كانَ يسمعُ تنهداتها وبكاؤها وتضرعها لله ولكنّهُ سئم حياةَ الصحارى والإبل والأغنام وهي همساتُ جده السّندباد تشجعهُ وحديث والدهِ عن خشخاش وأسطفان ومصطفى الأزموري الّذي عاشَ مع الهنود الحمر ذاكَ الأفريقي الّذي توفي هناك بعد رحلة طويلةٍ مليئة بالدهشةِ والتشويق . الحاج علي كانَ من أسرةٍ تحفظُ الشعر العربيّ وتطلع على القصص التاريخيّة رغمَ حياة البداوةِ في هذه الفيافي الشّاسعةِ وقد اشترى جدهُ الكثيرَ من الكتبِ من مكاتب مصر الثريّة بمخطوطاتها .

ماذا يعملُ جدَهُ الآن ليتهُ رافقهُ فهو حكيم يلجأ إليهِ في كلِّ شيء .
صوتُ ماركوس أفزعَ أحلامهُ يدعوه لتناول الطعام . كان الجنود الأمريكان يتحدثون عن الرئيس توماس جيفرسون واعتبروهُ من الأباءِ المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية وقد توسعتِ الولايات لمساحاتٍ شاسعة وامتدت لولايات جديدة بعد أن ضمَّ العديد من المناطق واشترى الكثير من الأراضي ونقلَ الهنود الحمر لمناطق أخرى غير مناطقهم . ولكنّه لا ينسى صورة العبيد السود  الذين يخضعون لأوامر السّادة من البيضِ  . 
كانَ الحاجُ علي ذكياً وفَطِناً في العقد الثالثِ من العمر . أيامٌ وأشهر وهو في رحلاتِ الاستكشافِ مع الجنود الأمريكيين في الصحارى ماتتْ بعض الجمالِ بسببِ الظروفِ البيئية المختلفة .

وكانَ يهربُ بعضُ سكان تلكَ المناطقِ الأمريكيّةِ  من الجمال لاعتقادهم بأنّها تحملُ رجالاً بلا رؤوسٍ وكانت تسمى عندَ البعضِ ( الوحش الأحمر )

وتصادف وقوع الحرب الأهلية الأمريكية .

وفشل خطة الرئيس الأمريكي . فالصحاري في أريزونا كانت مليئة بالاحجار المسننة الملتهبة لشدة الحر . فجرحت حوافر الابل العربية التي أعتادت علي رمال الصحاري الناعمه 
فوجدَ الحاج علي نفسهُ بلا عملٍ بلا أملٍ هل يعودُ لوطنهِ كيفَ ذلك وهو لا يمتلكُ المالَ للعودةِ ولكنَّ الجنودَ الأمريكان لمّا عرفوه من مقدرتهِ على التخفي وقوتهِ الجسديّة استمرَ بالعمل مع الجيشِ, وكانت دائماً يد القدر تحميهِ من هولِ المعاركِ الشرسة . وهي طبولُ الحربِ تتوقفْ عن القرعِ ليجدَ نفسهُ بلا عملٍ الحربُ انتهت . فلجأ للبحثِ عن الذهب في سواقي الأنهار كما يفعلُ القادمونَ الجدد , حظهُ العاثرُ لم يمنحهُ أيّ بريقٍ سوى بريق التوجهِ لتلك الصحارى الّتي قضى بها الشّهور والسّنوات الأريزونا حيث راقت لهُ تلك الفتاة الحسناء الّتي لوحتْ لهُ بيدها و ابتسامتها اللؤلؤيةِ كانتْ حافزاً لعودتهِ . تزوجَ منها وأنجبَ طفلتين جميلتين . كانَ يعيلُ عائلتهُ من خلالِ علاجِ الحيوانات المريضة والجريحة وهذا تعلمهُ من كتابٍ في الطبِ الشعبي قرأهُ سابقأ وسمي الحاج علي في تلك المنطقة  ( الشافي ) وهو اللقب الّذي رافقهُ , ولم يمت حتّى شاهدَ آلاف السوريين والعرب يصلون لميناءِ نيويورك لتبدأ الحياة الجديدة من حوارِ الحضاراتِ البشريّة على تلك الأرضِ الّتي يعودُ اسمها إلى البحار الإيطالي أمريجو فيسبوتشى أشهر البحارة اللذينَ وصلوا العالمَ الجديد  .

__________________________
*من المتفق عليه بين الباحثين أن الحاج علي أن لم يكن الأول فهو من أوائل العرب الذين وطاة أقدامهم الأرض الجديدة