محمود عابدن يكتب: مصر ضحية تفردها: الحضاري والجغرافي والبشري

محمود عابدن يكتب: مصر ضحية تفردها: الحضاري والجغرافي والبشري
محمود عابدن يكتب: مصر ضحية تفردها: الحضاري والجغرافي والبشري
 
واجهت مصر مؤخرا العديد من التحديات نتيجة الأزمات الكبرى التي تعصف بدول الجوار: الجبهة الشرقية (عدوان الاحتلال على غزة).. الجبهة الجنوبية (السودان).. الجبهة الغربية (ليبيا).. إضاقة إلى ما يدور حاليا من صراعات وأزمات في: سوريا ولبنان.. ثم في البحرين: الأحمر والمتوسط.. ثم المخاطر الوجودية الناتجة عن بناء سد الخراب الاثيوبي، وهو الأمر الذي يحتم على مصر ان تظل في يقظة مستمرة ودائمة لحماية أمن المنطقة بشكل عام، وأمنها القومي بشكل خاص، وذلك من خلال تنويع التسليح، ورفع الاستعداد وتشديد الإجراءات خلال عمليات التفتيش.
القضية الفلسطينية على سبيل المثال لا الحصر، مرتبطة بأمرين، الأول هو رؤية القاهرة للمكون الديمغرافي ذات التأثير المهم؛ فإذا خرج الفلسطينيين من قطاع غزة وتم ترحيلهم فلن يكون هناك قضية فلسطينية من الأساس، وسيتم تصفيتها، وبالتالي عملت مصر على إفشال هذا المخطط بشكل حاسم وبات، أما الأمر الثاني فيتعلق بتأثير وجود قوات الاحتلال في الجانب الفلسطيني من الحدود، على مسار العلاقات المصرية الفلسطينية، وكان احتلال إسرائيل لممر صلاح الدين وغلق معبر رفح، تأثيرات اقتصادية مباشرة على مصر، إذ كانت هناك علاقات تجارية بين الجانبين من خلال معبر رفح.
أما بخصوص الجبهة الجنوبية (السودانية)، فهي من ضمن التحديات الصعبة التي واجهت مصر، كانت اندلاع الحرب في السودان بين الجيش والدعم السريع، لها تأثير مباشر على أمننا القومي، حيث شهدت حدودنا منذ بداية الحرب في أبريل 2023 تدفق الآلاف من الاشقاء اللاجئين السودانيين الفارين من مناطق النزاع، مما شكل ضغطًا على البنية التحتية والخدمات في المناطق الحدودية، لا سيما في أسوان، بحسب تأكيد الخبراء المتابعين لهذا الملف.
كما أن الأزمة اليمنية، التي استمرت تداعياتها خلال عام 2024، كان لها أيضا تأثير مباشر على المصالح الاستراتيجية المصرية، خاصة فيما يتعلق بالبحر الأحمر وقناة السويس، هذه المنطقة الحيوية تعد جزءًا من أمننا القومي، مما يجعل تطورات الأوضاع في اليمن مصدر قلق كبير، ومع استمرار استهداف الحوثيين للسفن التجارية وناقلات النفط في البحر الأحمر، وتهديدهم لمضيق باب المندب، وهو المدخل الجنوبي لقناة السويس، كان سببًا في زيادة المخاطر على الملاحة الدولية ومس عائدات مصر من القناة، والتي تحدث عنها بشكل واضح الرئيس عبد الفتاح السيسي.
كما شهدت الساحتين: السورية واللبنانية تطورات معقدة، مع استمرار الصراعات الداخلية وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وحرصت مصر على دعم استقرار البلدين من خلال التأكيد على ضرورة الحفاظ على سيادة ووحدة أراضيها، كما عبرت مصر عن قلقها البالغ إزاء الأحداث المتصاعدة على الأراضي السورية، وما له من تداعيات سلبية على الأمن القومي المصري والعربي، خاصة وأن هذه الأحداث تأتي في ظل واقع ملتهب إقليميًا ما بين حرب إسرائيلية على غزة ولبنان.
وقد مثلت الأحداث الدامية على الجبهة الغرببة (ليبيا) قلقا متزايدا ومستمرا لمصر التي تربطها علاقات جيدة مع الجيش الليبي، بغض النظر عن التأثير المباشر للأزمة الليبية على الأمن القومي المصري، ولصون أمنها القومي اتخذت القاهرة إجراءات كثيرة في هذا الإطار، منها تفعيل القاعدة العسكرية في "سيدي براني" قرب الحدود مع ليبيا، وكان لمصر دورًا في الأزمة الليبية، إذ استضافت القاهرة الأطراف الليبية المتنازعة، وسعت لتحقيق التقارب بينهما، كما زارت وفودًا مصرية طرابلس وكان آخرها زيارة رئيس جهاز الاستخبارات العامة المصرية اللواء حسن رشاد للمشير خليفة حفتر شرقي ليبيا.
وفيما يتعلق بأزمة المياه التي أثارتها إثيوبيا بإنشاء "سد الخراب"، أوضح خبراء المياه أنه من حق مصر أن تتخذ كافة الإجراءات اللازمة للحفاظ على أمنها المائي، حيث تستمر أديس أبابا في المماطلة فيما يتعلق بمشروعها الكيدي الذي سيكون له تأثير على حصة مصر من المصدر الرئيسي للمياه وهو نهر النيل، وعلى الرغم من إثارة إثيوبيا التوتر في منطقة القرن الإفريقي وتحلي مصر بالصبر في التعامل معها، إلا أن القاهرة لديها من الخطط والاستراتيجيات ما تستطيع أن تواجه به هذه القضية.
ولأن الشئ بالشئ يذكر، فكان شاعرنا الكبير أحمد شوقى محقاً حين خاطب النيل قائلا: "أصل الحضارة فى صعيدك راسخ.. ونباتها حسن عليك مخلق.. ولدت فكنت المهد.. ثم ترعرعت فأظلها منك الحفىّ المشفق"، لذا يجب علينا التذكر دائما وأبدا بأننا ننتمى إلى أمة عظيمة تستحق منا أن نعمل على إعادة مجدها بكل الطرق الممكنة، فعيب علينا أن نترك حقنا في الحياة بيد عدو لدود تربى على الحقد والبغض لمصر: التاريخ والحضارة والجغرافية والإنسان، عدو يريد لشعبنا الموت والدمار والخراب بالتحكم في شريان الحياة الذي يأتينا بنفحة ربانية منذ آلاف السنين من منبعه الأصلي.
فأجدادنا قدماء المصريين في عصر ما قبل التاريخ، أقاموا مجتمعهم بجانب القيم والأخلاق والضمير، على الاستقرار الذاتي وتلبية كافة احتياجاتهم الغذائية من: نبات الأرض والحيوان بعد أن استطاعوا تأنيسه، وهذا هو الثابت تاريخيا وأثريا منذ عصر مينا - موحد الشمال والجنوب – كما نجح قدماء المصريين نجاحا باهرا في تأسيس حكومة مركزية قوية بفضل الخالق ثم مياه النيل الخالد.
كما كان نهر النيل بفيضانه وانحساره ودوران ريه، من أهم الركائز الأساسية للإمبراطورية المصرية المركزية، وهذه رسالة أخري إلى أشقاءنا الأفارقة بخصوص سد الخراب الذي يهدد حياة شعبي: مصر والسودان بالفناء اذا لا قدر الله " ........ "، في إشارة واضحة إلى خلق تاريخ جديد من العداء والصراع لا يُحمد عقباه، ونسيت أو تناست ربما القيادة الاثيوبية المتعاقبة والمدعومة من أعدائنا، حقوفنا الربانية والتاريخية في مياه النيل.
د. سليم حسن - عميد الأثريين المصريين – في ترجمته لكتاب جيمس هنري برستد "فجر الضمير"، أكد على أن " مصر أصل حضارة العالم ومهدها الأول، ومن يعتقد أن أجدادنا القدماء اهتدوا إلى أن حضارتهم بدون قيم، فاعتقاده أجوف ولا قيمة له، فكم من حضارات انهارت.