* ان سيد البيت الأبيض دونالد ترامب عازم على خلق فجر جديد للنظام العالمي يتخلى فيه عن التحالفات التقليدية :
يسهم نهج ترمب في تفكيك النظام العالمي الذي ساعدت أميركا في بنائه، مما يؤدي إلى انهيار التحالفات التقليدية، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، وإعادة توزيع مراكز القوة، وهو ما قد يضع العالم على مسار صراع أوسع، في ظل انقسام متزايد بين الغرب والصين وحلفائها.
في هذا السياق، إذا ربطنا بين أفعال ترامب والسردية التي يروج لها، والمطالب التي يفرضها الآن، فسنصل إلى رؤية تثير القلق. فقد تلاشى أي شعور بالواجب الوطني لدعم أو إصلاح النظام العالمي المنهار الذي ساعدت أميركا وبريطانيا في إرسائه ذات يوم.واختفى معه أي شعور بالولاء للحلفاء التاريخيين والتحالفات التقليدية. كذلك فإن شلل مؤسسات مثل مجلس الأمن الدولي ومنظمة التجارة العالمية يسهم في تسريع انهيار العولمة. والحقيقة أن ترمب يترقب بزوغ فجر عصر جديد حيث تنطوي الدول على نفسها.
* التخلي عن النظام الدولي القديم :
في ظل هذا المنطق، تقع جرينلاند وبنما تحت السيطرة الأميركية. أما أوكرانيا، في المقلب الآخر، فتخضع لسيطرة روسيا. وفي غضون ذلك، ينظر إلى أوروبا وكندا والمكسيك الآن باعتبارها جهات منافسة اقتصادية. وإذا لم يعد من الممكن إبرام صفقات تجارية وفق شروط تصب في صالح أميركا بشكل مطلق، توقعوا حينها فرض تعريفات جمركية موجعة.
* لجعل هذا النظام العالمي الجديد يعمل :
كان لا بد من إعادة الترحيب بفلاديمير بـوتين، وإعادة دمج روسيا في الحظيرة الدولية. ويستوجب هذا الأمر أيضاً رفع العقوبات، وإبرام الصفقات. لهذا السبب لن يعترف أي مسؤول رفيع المستوى في إدارة ترمب بشكل صريح أن روسيا هي التي بدأت الحرب. ولهذا السبب أيضاً صوتت أميركا [أخيراً] مع روسيا ضد أوكرانيا في الأمم المتحدة. ولهذا السبب خفضت الولايات المتحدة المساعدات العسكرية الحيوية والضرورية لأوكرانيا.
* بداية عصرا جديدا من انعدام الأمن :
يعتبر منهج ترامب مزيجاً من القومية الاقتصادية والحمائية القاسية، التي يتم السعي إلى تحقيقها من خلال المواجهة سواء مع الحلفاء أو الخصوم. وهي ترتكز بشكل أساس على الاعتقاد بأن المصلحة الذاتية تملك اليد الاطول وهي السائدة، وأن أميركا قادرة على فعل ما تشاء وأن تفلت من العقاب انطلاقاً من فرضية أن قلة من الناس سيقاومون وأن البلاد ستصبح أكثر ثراء وقوة ومرونة نتيجة لذلك. ولكن هذا لن يحدث.
فعلى رغم ميل الولايات المتحدة التاريخي نحو الانعزالية، فإنها سعت لفترة طويلة إلى تحقيق التوازن بين هذا الاتجاه والتزام الأمن العالمي والتجارة الحرة. وهي الركائز التي دعمت واحدة من أطول فترات السلام والازدهار في التاريخ الحديث. لذا فإن التخلي عن هذه الالتزامات حالياً يعد خطوة متهورة للغاية.
في هذا الإطار، يزعم ان ترامب يسعى إلى إحلال السلام بيد أنه سلام وفق الشروط الروسية. أن اي اتفاق من هذا القبيل لن يؤدي الا الي منح روسيا الوقت الكافي لاعادة بناء قدراتها الحربية . هدف مواصلة صراع أوسع نطاقاً في المستقبل، وهذه المرة، من دون أن يعوقها أي تهديد من تدخل حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة.
* العالم الآن ينقسم إلى معسكرين تزيد فرص نشوب حرب عالمية ثالثة :
على النطاق الأوسع في المشهد الأكبر، بدأ العالم ينقسم فعلاً إلى معسكرين - الغرب مقابل الصين المدعومة بعدد متزايد من الدول الشمولية التي ترفض بصريح العبارة النظام العالمي الهش الذي كثيراً ما اعتبرناه أمراً مسلماً به. إذا لم تتحد أوروبا وأميركا، ومع التحدي الذي تطرحه الصين للولايات المتحدة في الهيمنة التكنولوجية والاقتصادية والعسكرية، فمن الصعب استبعاد احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة.
نشهد حالياً نقطة تحول في التاريخ. فكلما طالت مدة إنكارنا لهذه التجربة السياسية الخطيرة التي تجري في أميركا، ضاق الوقت المتاح لنا للرد. إنها دعوة إلى التحلي بالشجاعة اللازمة للقيام بما هو صحيح والتمسك بالدفاع عن حرياتنا وقيمنا حتى ولو كان هذا يعني الوقوف في وجه الرئيس ترامب.
* رؤية ترامب للشرق الاوسط من حيث اسرائيل ومحيطها العربي والاقليمي :
ان نظرة ترامب إلى إسرائيل ومحيطها العربي والإقليمي خلال الوضع القائم، بما يجزم أن الرئيس الأميركي ليس وسيطاً حيادياً بين العرب وإسرائيل ولا بين الفلسطينيين وتل أبيب، فهو يتحرك وفق المصلحة الأميركية وعلى قناعة بأن إسرائيل تشكل قوة مضافة ودولارات إضافية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، اقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً.
ويعتبر ترامب، "الإرهاب الإسلامي" تهديداً للديمقراطيات الغربية ومن بينها الولايات المتحدة، ويدرك ضعف حلف شمال الأطلسي وعدم استعداده للتحرك عسكرياً وسياسياً ضد هذا "الإرهاب"، وكذلك هو يعتبر أن إيران هي مصدر الإرهاب وراعيه الذي يهدد المنطقة وحلفاء الولايات المتحدة , ومن هنا كان استنتاجه وهو ما سبقته إليه بطريقة أو بأخرى الإدارات الأميركية المتعاقبة، أن اسرائيل هي حليفة مفيدة وموثوق بها وأن لديها خبرة أكثر من الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب، خصوصاً في وقت يتطلع فيه ترامب إلى تقليص الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط.
* ثروات الشرق الاوسط وأهداف ترامب :
يعرف ترامب أن الشرق الأوسط هو المكان الذي يتركز فيه 48 في المئة من مخزون النفط في العالم، وهو مفترق طرق تجاري وحيوي بين آسيا وأوروبا الغربية وبين أوروبا وآسيا وأفريقيا، وفي حال تخفيف أو انسحاب القوات الأميركية منه فإن إسرائيل هي الحليف الوحيد القادر على ملء الفراغ.
* جوهر مشكلة المنطقة الذي ينتظر إيجاد حلا للصراع الفلسطيني الاسرائيلي :
في سياق هذا المنطق ينسف ترامب كل المفاهيم السابقة المتصلة بجوهر مشكلة المنطقة الذي يفترض إنجاز حل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي وبالتالي العربي الاسرلئيلي
ويأخذ الأمور إلى أبعاد أخرى لا تستبطن تسوية لهذا الصراع بقدر ما تحاول فرض هيمنة شاملة قوامها الإلغاء وفرض هيمنة توفرها الآلة العسكرية الإسرائيلية المدعومة كلياً من الولايات المتحدة الأميركية.
* سلوك ترامب المريع باعتبار غزة دولة إرهابية وتصفيتة للقضية الفلسطينيه :
رؤية ترامب تنطلق من اعتباره غزة دولة إرهابية يتعاطف سكانها مع الإرهاب دينياً وتربوياً وإعلامياً، وهو ما دفعه إلى عرض اقتراحه غير القابل للجدل في شأن تهجير سكانها وتوزيعهم على بلدان أخرى، بما يضمن مكاسب عقارية من جهة ويحقق رغبات الحلفاء الإسرائيليين في الخلاص من الوجود المادي للشعب الفلسطيني وقضيته من جهة ثانية.
* برغم لم تكن غزوة "حماس" طوفان الاقصي فصلاً عادياً في الحروب الإسرائيلية - الفلسطينية حول القطاع، فقد كانت إسرائيل و"حماس" تديران تلك الحروب تحت سقف مصلحة الطرفين، مصلحة الحركة الإسلامية في توطيد حضورها بمواجهة السلطة الفلسطينية التي تقودها "فتح" من جهة، ومصلحة إسرائيل في استمرار الانقسام الفلسطيني ومنع قيام الدولة المستقلة بقيادة تلك السلطة من جهة أخرى.
* الخطة المصرية العربية لإعادة إعمار غزة :
كسبت الخطة المصرية العربية لإعادة إعمار غزة مزيداً من الدعم وهي في طريقها لتصبح خطة دولية بعد أن تبنتها دول "منظمة التعاون الإسلامي" خلال اجتماعها في جدة، ودعم دول أوروبية أساس لها بما يؤشر إلى احتمال تبنيها من جانب الاتحاد الأوروبي بعد استقبالها الإيجابي من قبل دول كبرى حول العالم. وعلى رغم ذلك لا يبدو أننا أمام تغيير في الموقف الأميركي أو تعديل في الخطط الإسرائيلية، علماً أن مراقبة الموقف الأميركي واحتمالاته تكتسب الأولوية الآن وخلال المرحلة القريبة المقبلة، خصوصاً مع تولي الرئيس دونالد ترامب إدارة تفاصيل سياسة بلاده الخارجية والداخلية.
ولكن الحقيقة الدامغة أن نظرة وسلوك ترامب لا يتعارضا تجاه الصراع الفلسطيني الاسرائيلي إثر فوزه بالرئاسة مرة جديدة مع نظرته إليه خلال ولايته الأولى، ففي تلك المرحلة همش الرئيس الأميركي سياسة وزارة الخارجية ودورها إلى الحد الأقصى، وأطاح بالثوابت المعلنة عن حل بالتفاوض بين الإسرائيليين والفلسطينيين، واستعاض عن جهاز الوزارة بمبعوثيه الخاصين وفي مقدمهم صهره جاريد كوشنر، ولم يعد الاهتمام الأميركي منصباً على إيجاد سبل تنفيذ القرارات الدولية كما كانت توحي وتعلن الإدارات السابقة، بل تركز على تخطي هذه القرارات.
ان نظرة ترمب إلى إسرائيل ومحيطها العربي والإقليمي خلال الوضع القائم، إذ يجزم أن الرئيس الأميركي ليس وسيطاً حيادياً بين العرب وإسرائيل ولا بين الفلسطينيين وتل أبيب، فهو يتحرك وفق المصلحة الأميركية وعلى قناعة بأن إسرائيل تشكل قوة مضافة ودولارات إضافية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، اقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً.
وستكشف لنا الأيام القادمة تبعات خطة ورؤية ترامب على النظام العالمي والشرق الاوسط.

