بهي الدين مرسي يكتب : وهم كمال الأجسام.. وتصحيح المفاهيم

بهي الدين مرسي يكتب : وهم كمال الأجسام.. وتصحيح المفاهيم
بهي الدين مرسي يكتب : وهم كمال الأجسام.. وتصحيح المفاهيم
 
بداية، ما تقرأه هنا هو حديث الطب وكل معلومة موثقة معرفيًا فى صفحات الطب والصيدلة، ولا نية للزج بمعلومات مضللة، فهذا المقال يقف بك عند مرحلة تصحيح المفاهيم، خاصة الشباب الحريص على التريُّض، وتحديدًا المتردد على صالات التريُّض «الجيم». 
فى البداية، يستوجب الأمر توضيح معنى التدريب لبناء الكتلة العضلية، وهو أساس رياضة كمال الأجسام، من خلال التمرين المستمر ليكتسب المتدرب تلك الصورة التقليدية للجسد، كما ترويها كتب التشريح، فتنتفخ كل العضلات وتتحدد ملامح كل منها ويظهر منبتها ومغرسها.
فى هذه التدريبات الشاقة يفقد الجسم سعرات حرارية عالية يستنفد فيها كل المخزون الدهنى بالجسم، فتصبح الكتلة العضلية بلا غطاء دهنى، أو بالبلدى «منها للشارع»، اللهم إلا من جلد رقيق لا تكفى سماكته إخفاء الأوعية الدموية، فتظهر وكأنها خراطيم مياه تحت جلد شفاف. ولذلك، دعونا نفند الأمر من النواحى التالية:
أولًا: من الناحية التشريحية.. لن تزيد أعداد العضلات فى الجسم، ولن تظهر عضلة لم تكن موجودة فى البدن النحيل، بل ترتبك النسب المئوية الطبيعية التى يرتضيها الجسم الطبيعى فى توزيع بنية البدن بين الدهون والكتلة العضلية من ناحية وكتلة العظام من ناحية أخرى، فتتغول حصة الكتلة العضلية على حساب كتلة الشحوم، وأيضًا تزيد حصة العظام، وهذا التفاوت له آثار ضارة سنناقشها تباعًا.
لذلك، ما يتفاقم ويكبر هو كتلة العضلة وطول الألياف العضلية.
ثانيًا: يستحدث الجسم أوعية دموية لمواجهة الشغل العضلى المستجد، فيزيد عدد الشرايين غير الأساسية وتتسع الأوردة التى تنزح الدم المستخدم، أما على مستوى الجهاز الهيكلى، فتزيد كثافة العظام وتتكلس البقايا الغضروفية عن المعتاد فى النمو الطبيعى.
ثالثًا: من الناحية الوظيفية «الفسيولوجية» يحدث بعض التغيرات، التى قد لا تضيف منفعة للبدن، بل لا يتحسن أى من وظائف الجسم لدى التحول إلى النمط الرياضى المشار إليه، فلن يعمل الكبد بصورة أفضل، ولن ترتقى وظائف الكلى، ولن يسعد القلب بهذا التحول، بل على العكس.
رابعًا: أما الكليتان فلهما نصيب من المعاناة أيضًا، وهو العبء المستجد لدى التهام كميات هائلة من البروتين، وما يصحبه من تعاظم فضلات الأملاح المعدنية، سيما مع تناول السموم المعروفة بالمكملات الغذائية.
خامسًا: يستطيع الكبد يوميًا التعامل مع ١٠٠ جرام بروتين، وهى خلاصة تناول ٦٠٠ جرام لحوم أو أسماك أو بيض أو بقول أو أى متنوع بروتينى فى الشخص ذى البنية الطبيعية بوزن ٧٥ كجم مثلًا، بينما يصاب بـ«التشتت» لدى تدفق ما قيمته ١٥٠٠ جرام بروتين، هى حصيلة أكل دجاجة وعشر بيضات يلتهمها المتريض بخلاف مشروبات الطاقة وبقية المكملات.
سادسًا: هناك نوعان من الدهون بالجسم، أولهما الدهون الأساسية التى تربط وتضم الأعضاء المعلقة، مثل الكلى والقلب والكبد، والآخر هو الدهون المخزنة. ذوبان النوع الأول قد يؤدى إلى مشاكل جراحية، مثل الفتاق الداخلى أو سقوط الأعضاء المعلقة أو المستريحة على وسائد دهنية.
سابعًا: تنخفض ضربات القلب فى بنية الرياضى إلى نحو ٦٠ ضربة فى الدقيقة ويطول أمد التوزيع الكهربى بعضلة القلب.
ماذا يعنى ذلك؟
فى الشخص العادى، يسيطر على القلب العصب الحائر «العاشر»، وهو يتبع الجهاز العصبى نظير السمبثاوى متناغمًا مع الجهاز العصبى السمبثاوى، ولاحظ أن الأول مثبط لعدد الضربات وقوة الانقباض، بينما الآخر «السمبثاوى» يؤدى عكس الوظيفة، أى محفزًا.
فى الشخص الرياضى يصبح القلب تحت سيطرة الجهاز المثبط، ولكى يستفيق القلب بسرعة ليواجه مثلًا احتياجًا عضليًا طارئًا قد لا تأتى الاستجابة بنفس سرعة الاحتياج، فتتنازع العضلات الهائجة على حصة الدم والأكسجين مع المخ الذى لم يشترك فى هذا التحول من الأصل ولم يعترف به، فيموت اللاعب وهو بلا مرض وفى أوج صحته وكمال بنيانه المذهل. لا بد أنك سمعت عن وفيات اللاعبين وهم فى أفضل لياقتهم البدنية.
ثامنًا: إياك أن تظن أن خريج «الجيم» الذى تراه فى الصورة متفوق جنسيًا، فهناك مشاكل فى القدرة الذكورية، ويقل لدى هذا المتريض الشبق «الرغبة» الجنسية، والسبب بالطبع أن التفوق الجنسى ليس مرهونًا بقوة العضلات، بل بالإرواء الدموى للجهاز التناسلى، وأضف إلى ذلك أن الرياضى ربما يعانى خللًا فى الأندروجينات «هرمونات الذكورة».
تاسعًا: من الناحية النفسية.. البنية الرياضية التى يمكث المتريّض ست ساعات يوميًا ليحافظ عليها ويتجرع مقابلها سبع دجاجات وخمس كراتين بيض وثلاثة كيلو لحم أو سمك كل أسبوع فى رفاهية لا تتحملها الكلية، فالحصيلة بالطبع محيط خصر مع الكرش طوله متر ونصف المتر، وترهل فى كل ثنايا الجلد، وعضلة قلب تئن من فرط الإجهاد.
وفى النهاية، وبعد كل هذا العناء، لن تخدم هذه العضلات المنتفخة صاحبها، فهى لا تصلح فى المشاجرات، لأن الدفاع عن النفس خفة حركة وليس قوة عضلة، فمن الممكن أن يهزمك شخص فى بنية أحمد مظهر.
لا يهدف هذا المقال إلى إنكار منافع الرياضة، بل ترشيد الإهلاك المفرط فى وظائف الجسم الداخلية فقط من أجل حصاد بنية عضلية منتفخة لا عائد منها بفائدة حتى لأصحاب الحرف اليدوية. 
وليس خفيًا على أحد أن مشاهدات الحياة قد توعدت كل رياضى معتزل ببنية مترهلة ثقيلة الوزن تتراكم فيها الشحوم حول البطن وزيادة منسوب الكوليسترول فى الدم. 
خلاصة القول: الأحرى بالمتريض توجيه ما أنفقه لبناء عضلاته إلى ما يبنى عقله، فالإنسان لم يُخلق لحمل الأثقال، بل لحمل الأفكار، فالبشر أرقى وأسمى من أن يستثمر بدنه وعضلاته عوضًا عن عقله.