أمينة خيرى تكتب: مدنية القنبلة السكانية

أمينة خيرى تكتب: مدنية القنبلة السكانية
أمينة خيرى تكتب: مدنية القنبلة السكانية

حين تتحدث بما يجول فى عقلك ويتشبث به قلبك، فإن كلامك يجد صدى لدى سامعه. أما إن تحدثت بعكس ما يجول فى عقلك وقلبك، فإن كلامك والعدم سواء، حتى لو صحت وبكيت نفرت العروق فى جبهتك. تخيل معى رجل دين يتحدث عن قيم وأفكار تقف على طرف نقيض مما نشأ عليه وتعلمه على أيادى مشايخ سبقوه، وآمن به وروج له على مدار عقود، سواء من أعلى المنبر أو بعد نزوله من عليه. هل ستجد كلماته قلوباً وعقولاً مستقبلة أم متشككة أم متسائلة؟!.. هذه المعضلة هى واحدة ضمن آلاف المعضلات التى تنجم عن الخلطة الجهنمية حيث الدين بالسياسة بالاقتصاد بالفيزياء بالاجتماع بالخلفة بالعيال بالتكاتك بالفقر وهلم جرا. للمرة المليون بعد التريليون، إن أردناها دولة مدنية (والمدنية تختلف عن الكافرة أو الفاسقة) فلتكن، وإن أردناها دولة دينية فلنعلن ذلك صراحة حتى يهدأ الجميع فتهنأ جماعات الإسلام السياسى والتكفير والهجرة وداعش وأبناء عمومتها وكل من تربى فى كنفها، ويتوقف أولئك الذين يبحون أصواتهم مطالبين بفصل هذا عن ذاك، مع تعرضهم للسب والشتم من قبل أتباع نسخة الدين التى هبت علينا فى سبعينات القرن الماضى. القنبلة السكانية آخذة فى الانفجار فى وجوه الجميع، لكن أكثر المتضررين ليسوا الشظايا السكانية الناجمة عن الانفجار.

أكثرهم تأثراً هم الفرق الممولة لعمليات ضخ العيال، وعلى رأسها الدولة ومعها دافعو الضرائب ممن اكتفوا بطفل أو طفلين لكن فوجئوا بأموال ضرائبهم تخصص لدعم من اختاروا أن يتخذوا من عيالهم أرقاماً تدر بضعة جنيهات إضافية، أو من تعرضوا للنصب الفكرى والاحتيال الثقافى وآمنوا بأن الله لا يطلب من عبده المؤمن إلا ضخ أكبر كم ممكن من العيال دون النظر إلى الكيف. أقدر تماماً وأحترم جهود وزارة الأوقاف الثمينة والتى تقابل بحروب ضارية بعضها تحت الحزام والبعض الآخر فوقه. لكن معضلة القنبلة السكانية وعمليات ضخ العيال دون هوادة، ليست فقط خطبة جمعة أو تنويهاً توعوياً أو برنامجاً تلفزيونياً.

إنها معضلة فكر تحجر وتكلس وصدأ منذ عقود قام بها البعض مع سبق الإصرار والترصد. هذا التحجر يحتاج فى رأيى المتواضع ذراعين علاجيتين: الأول جراحية موجعة نسبياً لكنها تؤتى نتائج سريعة ومضمونة، والثانية باطنية تعمل على مداواة المرض بالعلاج على المدى الطويل. وهذه الأخيرة آثارها تدوم وتعمل على علاج المرض وليس العرض. من يقرر أن ينجب أربعة وخمسة وسبعة عيال عليه أن يتحمل مسؤوليتهم. وحيث إن الإنجاب حرية شخصية، فليكن أهلاً لها. والقانون يحمى الحريات الشخصية، بما فى ذلك من قرر الاكتفاء بطفل أو طفلين ثم فوجئ بأموال ضرائبه تخصص لتمويل صاحب الخمس عيال. وفى الوقت نفسه، تعمل الذراع العلاجية على تعديل المنظومة الفكرية للإنجاب عبر التعليم وتمكين المرأة واحترام التخصصات فى الدين والعلم والاقتصاد والاجتماع.