أخبار عاجلة

إدوارد فيلبس جرجس يكتب: تنظيم النسل وامبراطورية الفقر ؟

إدوارد فيلبس جرجس يكتب: تنظيم النسل وامبراطورية الفقر ؟
إدوارد فيلبس جرجس يكتب: تنظيم النسل وامبراطورية الفقر ؟

لا غرابة في أن يكون للفقر امبراطورية ، ما أسهل صناعة امبراطوريات الجوع والفقر والحرمان بأيدي من تركوا العقول في مهب الريح فضاعت ولم تبق لهم سوى أفكار مشوشة لا هي حياة ولا هي آخرة . البعض يظن إن الله يحب الغباء ، فيجعل من الفراش أداة لانجاب المزيد والمزيد وعلى الله أن يدس لهم أسفل الوسادة أرغفة الخبز ، يورط نفسه بيده وينتظر الفكاك من ورطته يأتيه من السماء ولا عقل ولاحكمة ولا فهم ولا معرفة . إن من يكرس كل مجهوده للانجاب وهو بالكاد يملك قوت يومه يصبح  كالدلو المثقوب كل ما يوضع به يتسرب منه وكل ما يكسبه لا يكفي واحدا من الأفواه المفتوحة في منزله ، مثال بسيط أحاول أن أقرب به ما أريد أن أقوله لبسطاء الفهم وقبلهم هؤلاء من أصحاب العقول المثقوبة الذين يحولون كل شئ إلى طريق الدين وهم لا يفهمون لا في الدين ولا في الدنيا ، فقط يصيحون بالحلال والحرام لإثبات أن الحناجر قادرة على الصراخ . " تنظيم النسل حرام " ، هذا ما يصرخون به بكلمات لاتستوعبها  سوى الأرانب التي لا تتوقف عن الإنجاب مع الفارق الشديد بأن الأرانب مفيدة وأنها تعرف كيف تصل لطعامها وتدبره ولم نسمع أن بينهم فقر ولا جوع  بل يقدمون نفسهم بطيبة وكياسة ليكونوا غذاء للإنسان . لكن البشر أصحاب العقول البرية ينجبون ليقدموا نسلهم للجوع والفقر وكل مذلة في الحياة . كتبت كثيرا في هذا الموضوع ، لأنني أعلم ماذا يعني بالضبط ، وإن كان أحدا لا يفهم ما أُعني أقولها ثانية ، أنه ومن الواقع يُعني مجتمعات أشبه بإمبراطوريات ضائعة فقيرة تتشدق بتاجها الممسوخ  والذي جعل منه الجهل مسرحا ليقوم عليه بكل أدواره الساخرة  ولا يفوتني أن أعطي دور البطولة لتفشي الإرهاب والذي أصبح ظاهرة تلف العالم كله ، ومعظمه جاء من البلدان والمجتمعات الفقيرة والإمبراطوريات الجائعة  ، حتى المتعلمين منهم لو بحثت خلفهم ستجدهم قد نشأوا في مجتمعات الفقر والحرمان فتكونت بداخلهم عقدة حلها في رؤية الدماء .  أيضا كتبت عن الجملة التي يتشدق بها كل من يردد دون فهم والتي لا تسمعها سوى في المقاهي الشعبية أو في الحارات المكتظة دون آدمية " المال والبنون زينة الحياة الدنيا " ، تُردد دون فهم أو فطنة إلى المعنى كاملاً ، فالبنون بدون المال أكيد مذلة في الدنيا سواء للأب وهو يستحق ما فعله بجهله ، أو للبنون الذين لا ذنب لهم سوى هذا الأب الذي كل فهمه أن الليل خُلق لينجب ضحايا في المجتمع وهو يظن في نفسه أنه سبع البراري  ولا يضع في رأسه أن الفئران أيضا تقفز وتنتج العشرات والعشرات وألتمس لها العذر ، فلو وضع بها بعض العقل الذي وضع في الإنسان لربما فكرت في تنظيم النسل . لا أعتقد إنني تماديت أو أسرفت أو ابتذلت في الحديث عن هذا الموضوع المؤلم والشائك للأسرة والمجتمع معا ، بل أشعر بأنني قصرت ولم أستوفه حقه على الأقل من الناحية الإجتماعية وما يجنيه عليها ، أما من الناحية الدينية فلو ذهبنا إلى المسيحية لوجدنا أن المسيحية لا تمانع في تنظيم النسل طالما أن الجنين لم يخلق في أحشاء الأم ، أي باتباع وسائل ما يسمونها بمنع الحمل من البداية أو العزل أي عزل وصول العامل الذكري إلى العمل الأنثوي اللذان باتحادهما يتكون الجنين ، ولقد تحدث " قداسة البابا شنودة " كثيرا بفكره الواسع عن هذا الموضوع موضحا أنه لا ضرر من تنظيم النسل باستخدام الحرص والحيطة من حدوث الحمل وفي نفس الوقت حرم الإجهاض وهو التخلص من الجنين بعد تكونه ، وأعتقد أنه من القديم كان البشر يعرفون العزل ، وهذا ما وضحه فضيلة المفتي " الدكتور شوقي علام " في حوار له مع الإعلامي " حمدي رزق "  منذ فترة قصيرة   قائلا " الصحابة لجأوا إلى ( العزل ) لمنع الإنجاب والرسول لم ينه عنه " . وأوضح أن تنظيم النسل لا تأباه نصوص الشريعة وقواعدها قياسًا على "العزل" الذي كان معمولا به في عهد الرسول " ص " ، ويجوز للزوجين أن يلتمسا وسيلة من الوسائل المشروعة لتنظيم عملية الإنجاب بصورة مؤقتة إلى أن تتهيأ لهم الظروف المناسبة لاستقبال مولود جديد يتربى في ظروف ملائمة لإخراج الذرية الطيبة التي تقر بها عين الأبوين ، ويتقدم بها المجتمع . مبينا أن القضية السكانية من القضايا المهمة لكونها تمس الأمن الفكرى والقومى وتتطلب علاجًا حاسمًا لتفادي الأزمات الاقتصادية المترتبة عليها وأيضاً لارتباطها ببعض الأفكار المغلوطة التى ترى أن تقنينها وحلها يتعارض مع المشيئة الإلهيِّة شارحا أن ترتيب الأمور أو أقسام المقاصد في الشريعة الإسلامية يكون على درجات مختلفة ، فأعلاها مرتبة الضرورة والتي إذا لم يفعلها الإنسان يكون مُعرضًا للهلاك والدمار وزعزعة الأمن والاستقرار، وهناك مرتبة أخرى أقل منها في الرتبة وهي مرتبة الحاجيات التي يكون الإنسان فيها في مشقة شديدة إذا لم يفعل أشياء معينة ، ثم رتبة التحسينات وتشمل الأمور التحسينية أو الترفيهية ، كمسألة تنظيم النسل قياسًا على مراد الصحابة في مسألة العزل ، واستنادًا إلى أقوال أهل العلم ، ووفقًا لترتيب المقاصد ، فإذا كان التحسين جائزًا ، فمن باب أولى أن يكون الضروري جائزًا ، وهو ما ينطبق على مسألة تنظيم النسل حيث تشير الدراسات المعتمدة إلى أنه ضرورة ، وعن احتجاج بعض المعترضين على تنظيم النسل بظاهر النصوص الواردة في الحث على كثرة التناسل والأولاد ، أكد مفتى الجمهورية ، على أنه لا يصح أن تؤخذ ألفاظ بعض النصوص الصحيحة على ظواهرها وبطريقة فردية دون مراعاة الأدلة الشرعيَّة الأخرى ، التي لم يرد من بينها نص واحد يحدد -ولو تلميحًا- عدد الأولاد المطلوب إنجابهم لكل أسرة ، وعلى العكس أيضًا لم نجد نصًّا يحرم تنظيم النسل أو الإقلال منه . وأكد أن تنظيم النسل جائز شرعًا ، وأن التماس الزوجين لوسيلة من الوسائل المشروعة لتنظيم عملية الإنجاب بصورة تناسب ظروفهما لا ينطبق على التحذير من قتل الأولاد خشية الإملاق ،  لأنهم لم يتكونوا بعد.  وعن فهم البعض لتنظيم النسل بصورة معكوسة ، حيث توهموا أنها تتعارض كليًّا مع قضية الرزق ، باستشهادهم ببعض النصوص الشرعيَّة المحرِّمة لقتل الأولاد من أجل الفقر والعجز عن الاكتساب ، قال: إنه فهم مغلوط ، لأن الغرض من وسائل تنظيم النسل المتنوعة هو منع تكوين الجنين أصلاً ، فالجنين لا يتكون إذا ما تم استخدام وسيلة تنظيم النسل ، وأوضح المفتي أن دار الإفتاء المصرية استقرت في فتواها على أن تنظيم الأسرة من الأمور المشروعة والجائزة شرعًا، كما أنه يجوز شرعًا للزوجين البحث عن الوسائل الطبية لتمكينهم من الإنجاب إذا كانت هناك أسباب تمنعهم منه من الأصل، وهذه المنظومة التي نسير عليها هي رؤية متكاملة وشاملة ومتسقة مع منظومة التشريعات المصرية ، كما أن الإسلام يدعو للغنى وليس إلى الفقر، ويدعو للارتقاء بالمجتمع والأسرة ، وأضاف قائلا : "إن الوضع المعاصر تغيَّر، لأن الدولة أصبحت مسئولة عن توفير العديد من المهام والخدمات ، ولو تُرك الأمر هكذا لأصبحت الدول في حرج شديد ،  ولذا فتنظيم النسل الآن لا يتعارض مع روح الشريعة التي تؤيد تغيُّر الفتوى بتغير الزمان والمكان تحقيقًا لمقاصد الشريعة. لا أعتقد أنه تبقى ما يجب أن نقوله من الناحية الدينية بخصوص هذا الموضوع الشائك كما قلت للأسرة والمجتمع ، فالإسلام والمسيحية لا يمانعان في تنظيم الأسرة طالما أنه لا يحدث إجهاض للجنين . واعتقد أن المثل الذي يقول " عد غنماتك يا جحا فقال : واحده واقفه والتانيه نايمه " ينطبق تماما على موقف الدولة والمجتمع من الزيادة السكانية فموارد الدولة كلها أصبحت مكشوفة الآن ومهما استحدثنا من مشاريع فلن تستوعب هذه الزيادة المطردة بشكل كبير دون فهم أو وعي من طبقات الشعب الفقيرة ، وأيضا المساحة الأرضية بالبديهة لا يمكن أن تحدث بها زيادة لأننا بالتأكيد لن نخرج عن حدود الدولة . ولذا يجب بل من حق الدولة  أن تتخذ من الوسائل أو القرارات ما يضمن عدم الزيادة المطردة في امبراطورية الفقر ليطلقونهم في الشوارع والطرقات منذ طفولتهم لارتكاب كل أنواع الجرائم التي تنتهي بهم إلى مصير أقل ما يقال عنه أنه أسود ولكي تنشأ الأجيال القادمة في حياة كريمة ومحترمة . وقد تكون لكلمات الرئيس السيسي معناها الواضح جدا في مداخلة له مع الإعلامي " عمر أديب " عندما قال كتحذير عن الزيادة السكانية : " "انتوا يا ترى منتبهين لكلامي عن النمو السكاني ليكم ولا لاء؟.. إحنا مع بعض نواجه مشكلة كبيرة.. لا أنا لوحدى.. ولا انتو لوحدكم.. إحنا مع بعض نستطيع ". وقد تكون في كلماته التي أضافها أيضا نوع من التحذير فيما ستتبعه الدولة إذا لم يفهم الناس معنى تنظيم الأسرةقائلا : " مينفعش نعمل إجراءات قانونية عنيفة دلوقتى.. تأثيرات الثورة والغضب ما زال موجود جوه الناس لحد الآن.. لم ينته بعد.. ولكن يجب على الناس تساعدنا إنها تتفهم أسباب ما نحن فين وإحنا ليه وصلنا لكده " . لي ملحوظة عن هذه النقطة التي  قالها الرئيس  وأعيدها ثانية " مينفعش نعمل  اجراءات قانونية عنيفة دلوقتي ، تأثيرات الثورة والغضب لسه موجودة جوا الناس حتى الآن " . حقيقة  حاولت أن  أفهمها بشقيها سواء الفعل أو رد الفعل ، لكن ما دام لي حرية الكلمة أقول أنني لست مقتنعا بها . بالتأكيد ياريس احنا نتفق على أن أي شئ في مصلحة البلد يجب أن يتخذ  حتى لو كان عنيفا ، دون النظر إلى أي اعتبار ، وهذا ما حدث عندما اُتخذت اجراءات تعويم الجنيه وما تلاها من ارتفاع جنوني في الاسعار وليس هذا فقط بل عدة اجراءات أخرى أدت إلى فوران في الطبقات المتوسطة والفقيرة وكانت واضحة كل الوضوح في تأثيرها على مستوى معيشتهم فلماذا لا تتخذ الاجراءات العنيفة بالنسبة للحد من الزيادة السكانية التي كما ذكرت لا يجب اتخاذها الآن لأن تأثيرات الثورة والغضب موجودة جوا الناس حتى الآن ، بالرغم من أن الإجراءات الاقتصادية التي اتخذت وقتها كانت التأثيرات والغضب أكبر بكثير من الآن . أقول يجب أن تكون المبادئ موحدة ما دامت تصب لمصلحة البلد والشعب ، ومشكلة التزايد السكاني إحدى المشكلات المتفاقمة بشدة وستتفاقم أكثر وأكثر طالما سمح بالأفكار المغلوطة وتعليق أي شئ على شماعة الدين الذي يلجأ إليه أصحاب الفكر السلفي الذين هم في الحقيقة أسوأ من الإخوان مئات المرات . المبدأ هو المبدأ وكما اتخذت اجراءات تأذت منها شريحة كبرى من الشعب تحت عنوان مصلحة البلد والاقتصاد فبالأولى يجب أن يتخذ إجراء سريع مهما بلغ عنفه لوقف هذا التدفق السكاني الرهيب ، والذي يعتبر السبب الأول في فقر المجتمع والعشوائيات التي انتشرت بما تحويه من كل أنواع الجرائم والإرهاب . المبدأ هو المبدأ ولتتساوى كل الإجراءات التي يجب أن تتخذ لصالح البلد والشعب دون النظر إلى أي اعتبار ، وخاصة ما نتحدث عنه هو نقطة جوهرية لا نقاش فيها وبسببه تكونت امبراطورية الفقر التي تتزايد مع كل دقيقة والعقول الضائعة تتكاثر دون توقف ، فما ذنب هؤلاء الأطفال الذين ينجبونهم دون عقل أو تعقل يظلمونهم ويظلمون أنفسهم ويظلمون البلد والمجتمع ،  هي جريمة يجب أن تسن لها القوانين مهما كانت عنفها ، ولصالح البلد والشعب أكرر وأكرر : المبدأ هو المبدأ وأن انتقص مبدأ ضاعت كل المبادئ معه . ختاماً أقول انتبه أيها الشعب حتى لا تجد نفسك في مأزق لا يمكن الخروج منه على الإطلاق ، فإن كان الله ساعد مصر وساعدكم بوجود الرئيس السيسي وحله لكثير من المشكلات ، لكن أيضا كل شئ له حدود ، سيأتي الوقت لو استمر هذا الطفح السكاني الرهيب لن تصلح له أي حلول أو أضافات ، وكما يقول المثل ميقدرش على القدرة سوى الله ، والله لا يتجاوب مع العقول الفاسدة . 

 

 

إدوارد فيلبس جرجس

edwardgirges@yahoo.com

********************