أخبار عاجلة

محيى الدين إبراهيم يكتب: فيلم الرعب الشهير( The others ) مزيج من الكلاسيكية الظاهرية و الفلسفة العميقة

محيى الدين إبراهيم يكتب: فيلم الرعب الشهير( The others ) مزيج من الكلاسيكية الظاهرية و الفلسفة العميقة
محيى الدين إبراهيم يكتب: فيلم الرعب الشهير( The others ) مزيج من الكلاسيكية الظاهرية و الفلسفة العميقة

من أفضل أفلام النجمة نيكول كيدمان، وهو واحد من أغرب وأقوى أفلام الرعب في السينما العالمية وتكمن الغرابة في أنه رعب أنساني .. ليس هناك بالطبع رعب إنساني .. فالرعب عكس الإنسانية .. ولكن هذا الفيلم سيجعلك تشعر إلى جانب الخوف بالإنسانية، بمعنى أن كل خفقة قلب يخفها أثناء مشاهدة أحداث الفيلم تتحول لتعاطف أنساني وتمازج حتى أنك تندمج مع بطلة الفيلم كأنك هي، كأنك أنت من يقوم بدور البطولة من شدة اندماجك مع الجو العام للفيلم، فنحن سرعان ما نكتشف انه يخفي في طياته الكثير من الغموض و الأفكار الفلسفية العميقة ثم يأخذنا إلى أحداث مفاجئة صادمة لم نكن نتوقعها مطلقا .. هذا الفيلم لا شك هو عمل فني رفيع المستوى على جميع الأصعدة من البيئة المحيطة والرعب والإنسانية.

والفيلم من انتاج عام 2001 للمخرج الاسباني (تشيلي اليخاندو آمينابار) و بطولة النجمة الكبيرة (نيكول كيدمان) وهو فيلم فاز بثمان جوائز "غويا" تتضمن جوائز أفضل فيلم وأفضل مخرج وهو أول فيلم باللغة الإنجليزية يفوز بجائزة أفضل فيلم في جوائز غويا (جوائز دزليية إسبانية) بدون أن يحتوي على كلمة واحدة باللغة الإسبانية، كما حصل على جائزة زحل لأفضل فيلم. وفازت نيكول كيدمان بالغولدن غلوب وترشحت للBAFTA. ولا شك أن الفيلم مثير للدهشة بسبب جمالية المدرسة القديمة التي توجد فيها الأشباح الكلاسيكية، والسبب الآخر قدرتها على إعادة صياغة فكرة الأشباح الكلاسيكية بشكل مُلهم جديد والفيلم مستوحى جزئيا من الرواية then turn of the screw ، و قد احدث ضجة كبيرة عند عرضه في الصالات العالمية محدثا نجاحا كبيرا و نقدا واسعا في نفس الوقت.

ويعتبر كثير من النقاد أن هذا الفيلم واحدا ً من أفضل الأفلام عبر التاريخ و أكثرها إثارة للجدل , بما يحمله من تجديد و أفكار عميقة تتجاوز به حدود سينما الرعب إلى فضاء فلسفي أعمق بكثير .

أما الفيلم كقصة فيبدو لأول وهلة واحدا ً من أفلام الرعب الكلاسيكية كما يشتهيها أصحاب القلوب الرومانسية , تدور أحداثه في جزر القنال الإنجليزية في جيرزي، في أعقاب الحرب العالمية الثانية. غريس ستيوارت (نيكول كيدمان) هي أم كاثوليكية مع طفليها مصابين بمرض نادر "حساسية للضوء"، لهذا يتم تنظيم حياتهم حول سلسلة من القواعد المعقدة المصممة لحمايتهم من التعرض لأشعة الشمس، يعيش الكل في بيت كبير يحيط به ضباب كثيف , شيء غامض حدث قبل أيام لكننا لا ندري ما هو , أبواب تفتح و تغلق من تلقاء نفسها , بيانو قديم تنبعث منه الموسيقا دون أن يلمسه أحد , عالم كامل من المحرمات التي تخرق بصمت , و أصوات أشخاص غير مرئيين يجوبون المكان دون أن يردعهم أحد .

و في تفاصيل الفيلم , يعيش المشاهد قصة Grace مع ولديها الصغيرين Ann و Nicolas بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية , لكن حياتهم في بيتهم الكبير غير عادية على الإطلاق على خلفية إصابة الطفلين بحساسية شديدة تجاه الضوء, ما يدفع بهم لإغلاق جميع النوافذ بستائر سميكة للحيلولة دون وقوع حادث مؤسف , و فجأة يصل إليهم ثلاثة من الخدم الغامضين , لتبدأ معهم الشكوك حول وجود أشباح تجوب المكان .

و مع تقدم الأحداث و تتالي الحوادث الغريبة , تطرد Grace الخدم الثلاثة ظنا ً منها أنهم السبب في كل ما يجري لدوافع غامضة تتعلق بالمنزل نفسه , و تكتشف لاحقا ً أنها كانت محقة في ظنونها عندما تجد صورة فوتوغرافية لثلاثتهم و هم موتى بمرض السل قبل 50 عاما ً , بينما يجد طفلاها المتسللان إلى الحديقة في جنح الظلام قبور الخدم وراء المنزل , لكن الحقيقة كان أكبر من ذلك , إذ نكتشف في نهاية المطاف أننا عشنا طوال الفيلم مع الأشباح أنفسهم , بينما الأشباح الذين كنا نحس بوجودهم مع Grace ليسوا سوى الأحياء الذين يقطنون المنزل إثر انتحارها و قتلها ولديها قبل أيام.

هذا النهاية الصادمة , و الطريقة الجديدة في الطرح , جعلت من الفيلم واحدا ً من أفضل الأفلام في القرن الحادي و العشرين , قلبٌ كاملٌ للمعايير المتعارف عليها دون أن نشعر بذلك رغم الإشارات المنطقية التي تغيب عن نظرنا وسط كم كبير من الملامح الكلاسيكية الموظفة بإتقان لخدمة فكرة تتجاوز الحداثة بأشواط , تاركة المشاهد في نهاية الفيلم مذهولا ً لا يعي حتى إن كان حيا ً أم ميتا ً , في عالم تختلط فيه الأمور بشدة و يتعايش فيه الأحياء و الأموات بسلام , دون أن يشعروا ببعضهم إلا في حالات معينة قد تكون نادرة .

على صعيد أخر , يطرح الفيلم في مجمله مجموعة من الأفكار الفلسفية و يناقش العديد من الأفكار الدينية التي تتناول الحياة بعد الموت , ليصبح الدين في نهاية المطاف قابلا ً للنقاش في نقاط متعددة , فإن كنا قادرين على تقبل أفكار دينية و الإيمان بها كالخلق و الجحيم و الحياة الآخرة , فإننا قادرون على الإيمان بأمور أخرى توازيها في الميتافيزيقية كاختلاط العوالم مع بعضها , التقمص , الخلود و الفناء , ليبقى كل ذلك مجرد شكوك في النهاية بشكل يختلف من شخص لآخر وفق قناعاته الخاصة .

و في ذات السياق , يساوي الفيلم بين فكرتي الموت و الحياة , ليصبحا وجهين لعملة واحدة , بينما تبقى كافة الأمور الأخرى مجرد ثانويات تحيط بالوجود البشري , و تبقى كلمات مثل الله , الفرح , السعادة , الحرية , و غيرها مجرد وجهات نظر تحكمها الخبرة الشخصية , و تعالجها الأيام بطريقتها الخاصة دون أن يشعر الإنسان بها , و يبرز ذلك بشدة عبر شخصية Ann التي تمتلك أفكارها الخاصة الجريئة و تقاوم أفكار أمها الدينية في السر , لنجدها أول من ينشئ اتصالا ً مع الغرباء , و كأنها التي تقود البقية في الظلام الذي يكتنف الفيلم بشكل عام .

كما يقدم الفيلم كثيرا ً من الرموز التي تشير إلى أفكار فلسفية أعمق و أبعد , فالضباب الذي يحيط المكان بكثافة شديدة ليس سوى عبارة عن الحدود التي تحيط بالمرء في حياته , أو حتى بعد مماته كقبر مثلا ً أو كانتماء لمكان ما , و لذا نجد زوج Grace المتوفى في الحرب يجوب العوالم التي عرفها في حياته مارا ً بحثا ً عن منزله الحقيقي الذي ترتاح فيه روحه بعد الموت , إلى الأبد ربما أو إلى حين .

بالتوازي مع ذلك , يخفف الفيلم شيئا ً ما من التوتر الشديد الذي يغمر تفاصيله , بشيء من الكوميديا الآتية مع تفاصيل الحياة العادية , و تحديدا ً على مستوى الأفكار التي يطرحها الطفلان في نقاشاتهما الكثيرة , ليساعد ذلك على تعزيز صورة الحياة لدى الموتى بطريقة لا تختلف مع حياة الأحياء , و يعكس فكرة شديدة الأهمية عن عجز الموت أمام الإنسان الذي يبقى كما كان طوال حياته , فاتحا ً الباب أمام خلود كل شيء فينا , بدءا ً من أفكارنا اليومية و مشاعرنا المتناقضة و انتهاء بطبيعتنا التي خلقنا عليها .

يتميز الفيلم بتكامل هائل بين مكوناته المختلفة , سيناريو قوي جدا ً بناء على فكرة ذهبية , إخراج متقن يليق بمستوى النص , توظيف من أعلى طراز للإضاءة و الموسيقى , و غموض شديد يكتنف كل شيء و يحبس الأنفاس بانتظار النهاية التي تصدم المشاهد عقليا ً و عاطفيا ً , و أداء تمثيلي خارق من قبل جميع المشاركين في العمل .

و هنا تجب الإشارة إلى الأداء الاستثنائي الذي قدمته النجمة الكبيرة Nicole Kidman في أدائها لشخصية Grace على صعيد التفاصيل التي أضافتها للعمل , نبرة صوتها , ارتعاشة يديها , نظراتها , تنقلها بين الخوف و الشدة و القسوة و الضعف و الانهيار , لتتلاشى الحدود بينها و بين Grace بطريقة شديدة الخصوصية و مبهرة إلى حد بعيد , و هو أمر ليس غريبا ً على نجمة بحجم Kidman الحريصة دوما ً على انتقاء أصعب الأدوار و أكثرها فلسفية و إثارة للجدل .

جدير بالذكر , أن الفيلم من إخراج Alejandro Amenábar و حقق لدى طرحه في الصالات العالمية عام 2001 ضجة كبيرة , حاصدا ً النجاح على المستوى الجماهيري و النقدي على حد سواء , و نال عددا ً من الجوائز المهمة أبرزها جائزة Golden globe لأفضل ممثلة رئيسية في فيلم درامي .

بناء على كل ما سبق , يستحق فيلم The others المكانة التي يحتلها في تاريخ السينما العالمية , كواحد من أكثر الأفلام تجديداً و تغييرا ً في الطرح التقليدي , و مثالا ً بارزا ً لما يمكن أن تصل إليه السينما في تناولها للقضايا المختلفة ما دفع كثيرا ً من النقاد إلى اعتباره أفضل فيلم رعب عبر التاريخ , خاصة مع استنساخه ( و لو جزئيا ً ) في عدد كبير من أفلام الرعب اللاحقة .

لمشاهدة الفيلم: https://mohyaldeen.blogspot.com/2020/06/others.html

طاقم العمل:

ﺇﺧﺮاﺝ: أليخاندرو أمينابار

ﺗﺄﻟﻴﻒ: أليخاندرو أمينابار

تمثيل:

نيكول كيدمان في دور غريس ستيوارت

الكيانا مان في دور آن

جيمس بنتيلي في دور نيكولاس

فينولا فلانغن في دور بيرثا ميلز

اريك سايكس في دور تاتل

إلين كاسيدي في دور ليديا

كريستوفر إكلستون في دور تشارلز ستيوارت