فرانسوا باسيلي يكتب: مفروس من الفيروس

فرانسوا باسيلي يكتب: مفروس من الفيروس
فرانسوا باسيلي يكتب:  مفروس من الفيروس

العالم مصاب بفيروس كورونا، لا أحد يهمه أي شيء آخر، ولا أحد يتكلم عن أي شيء آخر، وبالتالي لا يجوز أن أكتب عن أي شيء آخر وأنا سجين في بيتي حسب تعليمات السادة الحكام والرؤساء والزعماء، وأنت علي الأغلب سجين في بيتك تقرأ هذا، ولهذا أنا، مثلكم جميعاً، مفروس من الفيروس.

فلنقفز إلي المستقبل إذن ونفكر في شكل حياتنا بعد القضاء علي الفيروس.

بعد تجاوز التحدي الفيروسي الذي يواجه العالم اليوم، يكون الأمل هو أن يستوعب أغلبية الناس في أغلبية البلاد درسين هامين:

الدرس الأول هو أهمية إعلاء قدر العلم والمنهج العلمي في التفكير في حياة المجتمع والفرد، فالعلم وحده هو ما سينقذ البشرية، بلادنا المصرية بلاد شعبها يقال أنه "متدين بالطبيعة"، ولكن سواء كان متدين بالطبيعة أو بالكيميا فلن يفلت المتدين من خطر الفيروس، والفيروس لا يفرق بين متدين ومارق، ولا بين مسلم ومسيحي ويهودي وبوذي، الكل سواسية في عين الفيروس العادل الذي لا يفرق بين البشر علي أساس العرق أو ألدين أو الجنس أو الثراء أو الضراء.

ما سيحدث الفرق هو مدي تطبيق الفرد والمجتمع للأساليب العلمية في الوقاية من الفيروس، ثم العلاج المنتظر للفيروس،

ولهذا أقول دائماً "العلم هو الحل".

الدرس الثاني هو أهمية القيادة السياسية الواعية ذات الكفاءة الإدارية والذهنية لكل بلد، فهي من سيقدر علي توظيف الإمكانات المختلفة وإدارة الدولة للتصدي للخطر وتجاوزه، من الخطر وجود قيادات لا تقدر العلم ولا تعترف بالحقائق العلمية ولا تنتهج الأساليب الإدارية الفعالة، وسيكون حتمياً بعد عصر الفيروس أن يختار المواطنون في البلاد الديمقراطية رؤساء لديهم قدرات ذهنية وإدارية عالية، ثم يكون من واجب هذه القيادات السياسية محاربة الخرافات في مجتمعها ونشر العلم والمعرفة العلمية.

ويقودني هذا إلي الحديث عن الخرافات التي ما تزال سائدة بين المصريين مسلمين ومسيحيين في مصر والمهجر.

 

إخراج العفاريت

للأسف لا يريد الكثير من الأقباط الخروج من العصور الوسطي، فنجد عودة إلي قصص إخراج العفاريت التي تركب البشر، والترويج لهذا من قبل بعض الكهنة في مصر ثم تداولها علي الإنترنت، وكذلك الترويج لقصص صور العذراء أو القديسين التي تنقط زيت في بيت أو كنيسة هنا أو هناك، وأذكر أنه كان لدينا في بروكلين في نيويورك من أكثر من عشرين سنة قصة كهذه في أحد البيوت وذهب التلفزيون واكتشفوا أن أحد المقيمين بالمنزل يضيف الزيت كلما نفذ، ومن يومها لم يقل أحد في نيويورك مرة أخري أن لديه صورة تنقيط زيت.

لا أحد من المصدقين لهذه القصص يسأل ماذا يمكن أن يكون القصد من لجوء خالق هذا الكون الهائل المذهل إلي هذه "المعجزات" تحدث في أماكن صغيرة ضيقة فينحشر الناس لرؤيتها ولا يراها في النهاية سوي بضع مئات أو آلاف من بين بلايين البشر علي الأرض، بينما لو كان الخالق يريد إرسال رسالة معينة أو إثبات حالة وجود مثلاً لتقوية الإيمان فقد كان بإمكانه القيام بعمل أعظم بكثير من تنقيط الزيت من صورة، كأن يظهر مثلاً  بشكل واضح جداً بجوار القمر أو بجوار كوكب معلناً نفسه صوتاً وصورة فيراه كل بشر المسكونة؟ 

هل هذا شيء كبير علي خالق الكون القادر علي كل شيء؟ لماذا لا نسأل هذا السؤال الجوهري قبل أن نصدق هذه القصص التي لا يحاول أحد حتي أن يدقق أو يحقق في حقيقتها؟

طبعاً أتكلم هنا عن "الخالق" بصيغة المذكر، فأقول يريد ويعمل، بينما المذكر والمؤنث صيغ لغوية بشرية لا تنطبق علي قوة خالقة فوق-إنسانية، ولكن هو قصور لغتنا البشرية في التعبير وبالتالي قصور الأنماط السائدة لتفكيرنا في فهم وتصور طبيعة ومعني الألوهة، ولكن لا يصح أن يجعلنا هذا القصور نقبل تصورات طفولية للقوة الخالقة وأفعال ساذجة نتصور أنها تلجأ إليها، ففي هذا أكبر إهانة للقوة الخالقة وللكون الذي هو المعجزة الحقيقية، بل يجب علينا الإقتراب قدر الممكن من محاولةٍ أرقي لفهم وتفسير الألوهة والخالق وفعل الخلق بحيث يدفع بنا هذا الفهم الأرقي للتقدم الحضاري، لا أن يعود بنا إلي غياهب  القرون الوسطي وكأن البشرية لم تعرف عصر التنوير.
يريد المروجون لهذه الأساطير إقناع البسطاء أن الخالق الذي خلق الكون المذهل الذي تسبح فيه بلايين الكواكب منذ بلايين السنين الضوئية أصبحت معجزته هي تنزيل نقط زيت من صورة في كنيسة في بورسعيد- كما شاهدت في فيديو يظهر الأب الكاهن أمام لوحة للعذراء تحتها حوض مليء بالزيت يغرف منه الكاهن بكوب في يده، لكن الفيدو لا يوضح نزول الزيت من الصورة ولا يثبت شيئاً، بينما العشرات من المصلين والمصليات ينحشرون في مكان ضيق للوصول إلي صورة العذراء. 

 

هل يمكن تصور إهانة لقدرة وعظمة الخالق أبشع من هذه الإهانة؟ هل يمكن تقزيم عظمة الإله الخالق الواضحة في الطبيعة وفي الكائنات وفي جسد الإنسان نفسه الذي هو معجزة في حد ذاته، هل يمكن تقزيم وإهانة وخيانة كل هذا بالقول أن من خلق هذه كلها يحتاج أن يرسل لنا رسالة غامضة بتنزيل نقط زيت من صورة في مكان ضيق في كنيسة في بورسعيد؟ 

الكون أمامك وجسد الإنسان أمامك يا من تريد تثبيت إيمانك، هذه هي المعجزات الحقيقية الكبري للخالق فلماذا تحتاج إلي قصص أطفال عن أعمال كأنها ما يقدمه ساحر للأطفال في عيد ميلاد فيخرج لهم الحمامة من جيبه؟ الخالق يستحق فهماً أعلي من هذا بكثير، وعلي رجال ألدين شرح هذا للناس فهو من أساس دورهم التنويري الروحي الذي يحترم الحقيقة ولا يجوز أن يتستر علي الخداع والخرافة.

 

 

ونعود إلي الفيروس وسنينه 


وجدت الإحصاءات أنه برغم أن نسبة الإصابة بالكورونا متساوية بين النساء والرجال، إلا أن وفيات الرجال ضعف وفيات النساء. 

النساء محظوظات إذن، لكن الحقيقة تستحق النساء أن تحابيهن الطبيعة، فهن من يجئن بنا جميعاً إلي الحياة ويرضعننا ويحتملننا صغاراً وكباراً،

الطبيعة عادلة. 

مع الإجراءات الراديكالية باالتزام البيوت وغلق المتاجر في أكبر الولايات الأمريكية يسأل البعض إن كان هذا يمكن أن يسبب أضراراً إقتصادية وإجتماعية بل وأيضاً صحية أكبر من الضرر المحتمل مع إجراءات أقل تشدداً؟ ولأن الحالة جديدة والفيروس غير معروف من قبل لا يبدو أن في أمريكا من يعرف أن يجيب علي هذا السؤال بأي درجة من الثقة والمصداقية.

البقاء علي الأرض للأصلح، ومازال الإنسان هو الأصلح لأنه الأكثر تطويراً لعقله ولحياته بالعلم وازدياد المعرفة، بينما تظل بقية الكائنات، من حيوانات وحشرات وفيروسات، حبيسة نفسها، بعضها، كالفيروسات يطور نفسه ويظهر بأنواع مختلفة كل بضع سنوات، لكن عقل الإنسان الذي تطور عبر ملايين السنين هو أعلي ما وصلت إليه صورة الحياة علي الأرض، ولذلك ينتصر في النهاية علي ما تحاربه به الطبيعة.

العلم هو الحل.

 

 

النبوءة

 

ماذا سيفعل فيروس الكورونا في العالم؟

الاحتمال الأقوي هو أن ما سيحدث هو التالي

 

- سيصلي ملايين المسيحيين للرب يسوع ليحميهم من الفيروس كما فعل ترامب وبعض الأمريكان

 

سيصلي الملايين من المسلمين لله الواحد الأحد ليحميهم من الفيروس

 

سيصلي ملايين اليهود ليهوه ليحميهم من الفيروس

 

سيصلي ملايين الهندوس لإله الهندوس شيفا ليحميهم من الفيروس

 

سيصلي ملايين البوذيين لبوذا ليحميهم من الفيروس

 

سيصلي ملاييين آخرين لآلهة أخري لتحميهم من الفيروس

 

سيقتل الفيروس بضعة آلاف من البشر خلال عدة أسابيع أو شهور

 

بعد ذلك سيعلن عالم في السويد أو ألمانيا أو أمريكا، لا يؤمن سوي بالعلم، أنه إكتشف علاجاً للفيروس فينجو الملايين من البشر من الموت بالكورونا

سيهرع الملايين من المؤمنين فتصلي كل جماعة للإله الذي صلت له من قبل مقدمين صلوات الشكر لأن إلهم إستجاب لصلواتهم وحماهم من الفيروس اللعين، وسيزداد إيمان وتمسك كل جماعة بإلهها الخاص فقد أصبح لديها الدليل الواضح علي أنه وحده، بعكس الآلهة الاخري كلها، هو الإله الحق الواحد الأحد الذي يستجيب دائماً لصلوات المؤمنين به وينجيهم من الشرير

وسيستمر البشر في حياتهم كما كانوا من قبل تماما دون أي تغيير يذكر في أفكارهم ومعتقداتهم وسلوكياتهم