أخبار عاجلة

أمينة خيرى تكتب: فتاوى «الجمهور عاوز كده»

أمينة خيرى تكتب: فتاوى «الجمهور عاوز كده»
أمينة خيرى تكتب: فتاوى «الجمهور عاوز كده»

مثلما نهرع إلى رجال المرور معترضين على فوضى القيادة، فيأتينا الرد: «إنه سلوك مواطن، فماذا نحن فاعلون؟»، فنحن حين نهرع إلى من يفتون فى الدين فى مسائل عجيبة غريبة على شاكلة «هل الله يستجيب لدعاء غير المحجبة؟» أو «هل استخدام الشطاف فى نهار رمضان يفسد الصيام؟» ونعترض على هذه الأسئلة الهرائية، تأتينا الإجابة: «هذه أسئلة الناس وعلينا الرد عليها».

ومثلما تتمثل مهمة رجل المرور فى تطبيق قواعد المرور التى تصحح وتقوم وتعاقب السلوك الخاطئ فى القيادة، فإن من ضمن مهام رجال الدين تصحيح وتقويم التفاهة والسطحية وعدم تحميل الدين ما لا يحتمل. والتحجج بأن «الجمهور عاوز كده» كما يخرج علينا صانعو الأفلام الهابطة حجة تبدو منطقية لكن يراد بها باطل لإبقاء الوضع على ما هو عليه، سواء من حيث الفوضى المرورية أو فوضى الفتاوى.

وإذا كانت الفوضى المرورية تحصد الأرواح وتساهم فى نشر وتجذير الفوضى السلوكية فى المجتمع، فإن فوضى الفتاوى تساهم فى نشر وتجذير النسخة العجيبة من الدين المتحلل من القيم الروحانية والقواعد الأخلاقية والغارق حتى الثمالة فى «ماذا نرتدى؟» و«بأى قدم ندخل الحمام؟» و«أصول النكاح» و«نص دعاء ركوب المصعد». وما الهجوم الضارى الذى توجهه الغالبية تجاه كل من يعترض على تحويل الدين إلى أدعية وأذكار وطرحة ونقاب ولحية وقبقاب، واعتبار من يتطرق إلى هذه المسائل «الفقهية» عدو الله وكارهًا للمؤمنين، إلا دليل دامغ على الغمامة المهيمنة على القلوب والعقول.

المتدين عن حق لا يخشى سؤالاً نقدياً عن المظاهر أو نقاشاً منطقياً عن التفسير الذى يضعه بشر. والمتدين الواثق أنه على حق لا يعتبر فتح ملفات تطهير التراث الدينى المتراكم عبر قرون ما بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) هدماً للدين ونشراً للفسق والفجور.

ومثلما يفتش البعض من رجال المرور فى رخص القيادة لضمان أنها سارية، ظناً منه أن هذا هو ملخص عمله، بينما زجاج السيارة أسود فاحم وخلفيتها مغطاة بالكامل بملصقات ضخمة وقائدها أرعن أهوج، فإن من يستقبل فتاوى عن دخول الحمام وظهور صباع رجل المرأة والدعاء بالشفاء والنجاة لـ«الكفرة» فى الصين دون أن يخبر السائل أن عليه أن يخضع لعلاج نفسى ويوضح له أنه بهذه الأسئلة يسىء للدين ولقدراته العقلية، بل ويحذره من أن مثل هذه الأسئلة تصنع كهنوتاً فى الإسلام الذى هو بلا كهنوت، وأنها تجعل من رجل الدين وسيطاً بين الإنسان وربه، بينما لا وساطة بين العبد وربه فى الإسلام، وأنها تهين رجل الدين نفسه الذى يفترض أنه عالم قارئ مثقف وليس محلل شطافات ومدقق أرجل ومتمعن فى شؤون النكاح والمنكوحين.

إمساك عصا الوطن من المنتصف حيث التأرجح بين دولة مدنية أحياناً وأخرى دينية أحياناً سيؤدى بنا إلى الدخول فى حيطة كتلك التى دخلنا فيها من قبل.