د. بهي الدين مرسى يكتب: دعوة للتفكير والتأمل في سياق النبش بالموروث ومحاولة فهمه

د. بهي الدين مرسى يكتب: دعوة للتفكير والتأمل في سياق النبش بالموروث ومحاولة فهمه
د. بهي الدين مرسى يكتب: دعوة للتفكير والتأمل في سياق النبش بالموروث ومحاولة فهمه

 

 "أنا" حر .. ولن أستعيذ بالله من لفظة "أنا "   

. سأبدأ بسرد ما حدث حقيقة ذات يوم بيني وإبني عمرو قبل 17 عاما ، عندما كان يجلس أمامي ملتف الساق (رجل على رجل) ، فنهرته وأفهمته بأن هذا أمر غير لائق. امتثل الطفل للأمر وأنزل ساقه، وبعدها سألني: ترى، ما هو وجه التطاول أو قلة الأدب في هذه الجلسه يا بابا؟

لم أجد جوابا، وكان اليقين الوحيد لدي هو أنني ورثتها هكذا أمراً سليطاً من أبي، واكتشفت بأننى أوشك على توريث العادة لإبني، ولكنه استنكر وجادل وناقش الأمر معي، وعندما فكرت وناقشت ولم أجد تعليلاً يشفع لي بفعلتي، منحته هذا الحق وحررته من عبودية ميراث تالف وأفهمته بعدولي عن الأمر.

 بالمثل.. جعلت أبحث عن سند لتحقير "الأنا" إذا ما جاء ذكرها على لسان صاحبها، فلم أجد في المرويات ولا في كتب الدين ولا في الأحاديث، بل على العكس، هناك ستة مواضع بالقرآن الكريم جاء فيها لفظ المتكلم بالإشارة لنفسه مستخدما الضمير "أنا"

. وبعيدا عن جفاف المصادر من التعوذ بالله من ذكر الأنا، هل يفترض أن نجتهد في المقابل بتحقير الأنا ونكرانها والتعوذ بالله من مجرد نطق سيرتها؟

أظن أن تحقير الأنا وصل الينا عبر ميراث تالف أتانا من البادية المحترقة بجفاف الخُلُق (بضم الخاء واللام) وخشونة التعامل مع الآخر وفظاظة التباهي بالذات، بل وراحت تستنكر لفظة (ابنتى - زوجتى - اختى) إلا بعد التكفير عن نطق ضمير الأنثى بكلمة مرادفه لطلب المغفرة من أطراف الحوار (وانت بكرامه - لامؤاخذة)

. لذا ستجد عبارات البادية البالية سائدة ضمن الميراث الذي يحقر الذات ويستنكر حتى الزهو بالنفس مثل " لا يمتدح نفسه الا إبليس"!! يا إلهي!! لا يمتدح نفسه إلا إبليس؟؟ هل لأن ابليس اتى أمرا، فعلينا نكرانه والاتيان بعكسه؟ هل نسيتم أن هذا الإبليس أيضا قد أقسم بعزة ربه؟ فهل مشيا مع سياق العكس والضد ننأي بأنفسنا عن إعزاز الربوبية؟

لا والف لا... "أنا" رائع، أنا طيب القلب، أنا ناجح وسأنجح، أنا أستحق، أنا جدير بهذه المنزلة ... أنا ... أنا قلها لنفسك، وتأكد بأنك لن تحظى بتقدير الآخرين مالم ينطلق التقدير لذاتك من داخلك أولا.

 

 

د. بهي الدين مرسي