د. ياسين العيوطي يكتب: الاتهام بالتقصير في معظم الدساتير

د. ياسين العيوطي يكتب: الاتهام بالتقصير في معظم الدساتير
د. ياسين العيوطي يكتب: الاتهام بالتقصير في معظم الدساتير

        تقوم العلاقة بين الحاكم والمحكوم على أساس من الثقة بين الجانبين.

الحاكم العادل يحكم بالعدل، والمحكوم بالعدل لا يجرح سمعة الحاكم باتهامه بالتقصير.

لذا نجد أن اتهام مجلس النواب الأمريكي الرئيس ترامب بالتقصير يقوم على أساس تحقيقات تستمد نزاهتها من أدلة ثبوتية غير حزبية، مستمدة من أفعال أو التقصير متعلق بخدمة الشعب. إطار تلك الخدمة هو أن يضع الرئيس مصلحة الشعب فوق مصلحته الذاتية أو العائلية. وهذا ما لم يفعله ترامب.

        ينص الفصل الثالث من الدستور الأمريكي، وعمره الآن يفوق على 240 سنة، على أن الاتهام بالتقصير (أو الخيانة) من جانب الرئيس الأمريكي أو أحد كبار الموظفين مثل القضاة، يبدأ الادعاء في مجلس النواب، وذلك باعتباره المدعي العام. ولكن مجلس الشيوخ هو الهيئة التي تحقق في ذلك الادعاء. وينتهي هذا التحقيق إما بالتبرئة أو بالتجريم وما يستتبع هذا من عزل وحرمان من الترشيح لأي منصب رسمي في أية من أجهزة الدولة.

        ويرأس محاكمة الرئيس المتهم بالتقصير رئيس قضاة المحكمة الأمريكية العليا على أساس من القواعد الإجرائية التي يضعها مجلس الشيوخ نفسه. ويمثل هذا الوضع تداخل السلطات الثلاث وهي التشريعية والتنفيذية والقضائية. كما يمثل أيضا الفصل بين تلك السلطات إذ لكل منها مهمة مستقلة عن مهام السلطتين الأخريين.

        وخلال المسيرة الدستورية للولايات المتحدة الأمريكية، لم يتعرض أي رئيس أمريكي لتهمة التقصير إلا في ثلاث حالات: الرئيس جونسون عقب الحرب الأهلية الأمريكية، أي بعد عام 1865، والرئيس كلينتون في التسعينات، والرئيس الحالي دونالد ترامب.

        وعلى الرئيس الأمريكي حين توليه الرئاسة أن يحلف اليمينأمام الشعب في احتفال كبير يسمى حفل التنصيب inauguration. أورد الفصل الأول (المادة رقم 2) نصّ ذلك القَسَم. ويؤكد هذا القَسَم أن الرئيس سوف يضطلع بمسؤولياته بأمانة وصدق، وسوف يبذل قصارى جهده في الحفاظ على الدستور وحمايته والدفاع عنه.

        في ضوء هذه المحاذير، أعلن مجلس النواب أن الرئيس ترامب ارتكب جرائم دستورية ترقى إلى مستوى التقصير. أولها، عدم مراعاته لسلطات الكونجرس والقضاء، وذلك لرفضه الاستجابة إلى مذكرات الاستدعاء للمثول أمام الكونجرس أو القضاء. ومما زاد الطين بلة، إعلان ترامب أنه معصوم من تلك المذكرات الاستدعائية. وأضاف إلى ذلك أنه يرفض امتثال أي من معاونيه ومساعديه لتلك المذكرات.

        اعتمد ترامب في هذه الانتفاضة على تفسيره الخاطئ للدستور. ذلك لأنه زعم أن للرئيس الأمريكي صلاحيات لا تطالها تلك الاستدعاءات. وعلى حد تفسيره الخاطئ لتلك الأحكام الدستورية، ادعى أن عصمته تمتد أيضا إلى كل أعوانه. أدى هذا إلى أزمة دستورية بين الهيئة التشريعية والهيئة التنفيذية، أساسها أن الرئيس ليس ملكا وأنه لاأحد فوق القانون.

        وصل الأمر إلى اتخاذ مجلس النواب برئاسة نانس بيلوسي قرارا بالإجماع يدين ترامب بالتقصير. غير أنها ما زالت حتى وقت هذه الكتابة ترفض إحالة مواد الاتهام إلى مجلس الشيوخ الذي تتسيد فيه غالبية من الحزب الجمهوري المواليلترامب. رفض الإحالة جعل اتهام ترامب بالتقصير وصمة ثابتة لن يمحوها التاريخ.

        عدا عما ذكرناه آنفا، استدعى هذا التناطح بين ترامب وبيلوسي، وضع قوانين جديدة مستوحاة من الحرب الباردة بين واشنطن وطهران. مفاد هذه المشروعات القانونية: وضع حد لسلطات الرئيس في إعلان الحرب، حيث أن ذلك الإعلان هو من صلاحيات الكونجرس. وهذا ما ينص الدستور الأمريكي عليه.

        خلاصة القول إن الأزمة الدستورية قد خلقها ترامب الذي فاق عدد أكاذيبه كرئيس على 000 140 أكذوبة خلال الثلاث سنوات الماضية. كان لهذا أيضا أثر إيجابيوهو تعميق الوعي الشعبي لمعاني الخدمة القومية. ومن المعروف أن ترامب هو أول رئيس أمريكي لم يقم أبدا بأية خدمة قومية، لا مدنية ولا عسكرية.

        ظل طول حياته منغمسا في الاتجار بالعقارات وإعلان التفليسات خمس مرات. بل واتخاذ البيت الأبيض كما لو كان محلا للبيع والشراء.

        العنجهية وإثارة الضغائن والمخاوف هي أعمدة نظام ترامب الذي يُرجى نهايته في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2020.