مدحت بشاي يكتب: المركزالكاثوليكي و سينما القيم الفاضلة

مدحت بشاي يكتب: المركزالكاثوليكي و سينما القيم الفاضلة
مدحت بشاي يكتب: المركزالكاثوليكي و سينما القيم الفاضلة

 ما بين حاجة جماهير المشاهدين لفنون السينما والمسرح والدراما إلى التسلية أو التثقيف ، وبين حاجة المجتمع لدعم التربية الأخلاقية والقيم الإيجابية أو على الأقل إلى الحماية الأخلاقية حيث نرى الحكمة العربية تقول إن الأدب خير من العلم ، وحيث نرى أحد كبار المفكرين الغربيين يقول إن علمًا بلا ضمير خراب للنفس ، فإنه يتحتم علينا أن ننظر في علاقة السينما بالأخلاق وإمكان تأثيرها فيها .

يذكر الناقد الكبير محمد مندور " إن الأفلام البوليسية التي تفد إلينا من الخارج وأقلام الإجرام العاتية ، ثم أفلام الخلاعة الأجنبية والمحلية على السواء لا يبالغ أحد في مدى الأضرار التي تنزلها بالمشاهدين وبخاصة ضعاف النفوس منهم كالشبان واليافعين ، وقدرة السينما على تدمير الأخلاق العامة والخاصة لا تدانيها قدرة المسارح المسفة أو الكباريهات أو علب الليل ، وذلك بسبب ما تستطيعه السينما من تجسيم وتقريب للبعيد وإيضاح أو تكبير للغامض أو الملفوف في ضباب الرؤية على نحو ما تفعل مثلاً في إظهار مغريات الأجسام العارية أو تفاصيل وموحيات الرقص الخليع ، وهذا هو ما فطنت إليه بعض الدول ومن بينها مصر حيث رأيناها لا تكتفي بفرض الرقابة على الأفلام الأجنبية والمحلية فحسب ، بل تلجأ إلى تحريم مشاهدة بعض الأفلام على الأطفال واليافعين الذين لم يتجاوزوا السادسة عشرة من عمرهم ، وإن تكن صعوبة تنفيذ مثل هذا القرار قد منعته من أن يحقق ما هدف إليه من حماية " .. والسينما في حرصها الشديد على اجتذاب الجماهير نراها تجمع بين عدة فنون في الفيلم الواحد حيث يضم كل فيلم تقريبًا موسيقى ورقصًا وغناءً وتمثيلاً ومناظر ، و في هذا غنى وثراء واستخدامًا لعدة فنون مجتمعه في التثقيف والتهذيب والتسلية .. و لا ريب أن الفيلم الجيد كتاب حي ، بمعنى أن الفيلم الجيد هو الذي يحمل إلى المشاهدين من المعرفة بالحياة وحقائقها وأهدافها ما يحمله الكتاب الجيد ففن السينما ليس مجرد صور متحركة تثير الدهشة والانفعال المؤقت دون أن ترسب في نفس المشاهد أي معنى محدد من معاني الحياة ، ودون أن تساهم في تثقيف الناس ، لقد أصبحت السينما من الأجهزة القوية الواسعة الانتشار في الاتصال بالجماهير وعدم الاستفادة منها في تثقيف الجماهير وتبصيرها بحقائق الحياة وتوجيهها نحو القيم الإنسانية الرفيعة فيه أكبر إهدار لهذا الجهاز الفعال الخطير . وعليه ، يسعد أهل الإبداع أن تشارك المؤسسات الدينية في دعم رسائل الفنون و توظيفها في تصميم رسائلها الروحية و الإنسانية .. وقد اسعدني ما جاء في الحوار الذي أجرته الزميلة الصحفية المجتهدة " ماريان رسمي " مع الأب بطرس دانيال حول " مهرجان مهرجان المركز الكاثوليكي المصري للسينما " في دورته الثامنة والستين على صفحات جريدتنا الغراء " الدستور " .. و قد تم إعلان أن عملية اختيار الأفلام هذا العام كانت مهمة صعبة للأختيار من مجموعة كبير وجيدة من الافلام التي تم انتاجها وكان على اللجنة اختيار افضل 5 فقط من 33 فيلم أنتجتها مصر هذا العام. وأضاف:" اليوم السادس للمهرجان ستكون ليلة خاصة للراحل سمير سيف حيث يعرض المهرجان فيلم "معالي الوزير" ويعقبه ندوة لمناقشة الفيلم بحضور نجوم السينما المصرية ولجنة التحكيم".تشكلّت اللجنة هذا العام برئاسة الكاتب و السيناريست الكبير عاطف بشاي، وعضوية نخبة رائعة من المبدعين .. قال الأب بطرس رئيس المركز الكاثوليكى للسينما المصرية لمحررة " الدستور " : " الدين لا يتعارض مع الفن، مستدلًا على ذلك بأن السيد المسيح كان يمارس الفن عبر ذكر " الأمثال ".

وكشف، فى حواره عن عدم ممانعته تناول المسيحية فى الأفلام السينمائية، لكن بشرط أن يكون ذلك دون إهانة أو ازدراء وتطرق الأب بطرس إلى أبرز أنشطة المركز الكاثوليكى للسينما، بداية من تنظيم مهرجان سنوى، تتنافس على جوائزه مجموعة من الأفلام المختارة بشروط محددة، ويشهد تكريم الفنانين الكبار الذين لم يحظوا بالتقدير اللائق خلال مسيراتهم، بجانب زيارة الفنانين المرضى والاحتفال بأعياد ميلادهم، فضلًا عن تنظيم مهرجان للأفلام القصيرة لتشجيع المبدعين الشباب .. "

الفن محاولة لاحتواء الشر " مقولة شهيرة للكاتبة " سيمون دي بوفوار " ، و العبارة منطقية و تتماهى مع دور الفنون عبر التاريخ الإنساني في إضفاء حالة من التسامي والنشوة لدى الممارس للفنون ومبدعها ، وأيضًا لدى المتلقي المثقف الواعي بمدارس وتاريخ الفنون ، ومن ثم هو قارئ جيد للفيلم أو اللوحة أو المقطوعة الموسيقية ، فهي تودعه أسرارها بسهولة ، وحتى لو كان المتلقي بسيط الإدراك والمعارف سنجده في أغلب الأحوال وقد انتشلته جماليات الفنون الصادقة من قسوة غربة و وحشة وجفاف حياته حتى لوعاش معها غربة من نوع أخر ، وهل ننسى تفاعل أهالينا الطيبين في القرى والنجوع مع طرب قصائد غنتها " أم كلثوم " و" أخرى لحليم و نجاة و فريد الأطرش ؟!!..

شكرًا للمركز الكاثوليكي و الآب بطرس دانيال وما يبذلونه من جهد نحو إيجاد سبل للتعاون مع المؤسسات الفنية والثقافية من أجل أن تساهم الفنون بدورها في توجيه خطاب روحي وديني و ثقافي معاصر و مقاوم لكل رسائل الكراهية والتطرف والثقافات السلبية ..

 

مدحت بشاي

 medhatbeshay9@gmail.com