فرانسوا باسيلي يكتب: هاجرت في الوقت المناسب

فرانسوا باسيلي يكتب: هاجرت في الوقت المناسب
فرانسوا باسيلي يكتب: هاجرت في الوقت المناسب

الهوس الديني

كثيراً ما أشعر بالإمتنان أنني هاجرت من مصر في أول السبعينات فلم أعاني من معايشة بداية الإنهيار الثقافي الحضاري الذي أحدثه الإخوان حين أطلقهم نظام السادات علي المجتمع المصري ينهشون جسده ويحجبون روحه، لم أعاني عذاب رؤية إنهيار ما حققته الستينات من زهو ثقافي شاهق في جميع مجالات الثقافة والفنون والآداب والإبداع. 

 أقول لنفسي لقد هاجرت في الوقت المناسب تماما، لتظل مصر في ذهني ووجداني هي مصر الجميلة، مصر الستينات،مصر ما قبل الحجاب والنقاب مصر الرائدة عربياً وأفريقياً وزعيمة العالم الثالث مع الهند ويوغسلافيا التي لم تعد موجوده اليوم لكن تبقي مصر.

 مصر العندليب وشادية ونجاة وفاتن حمامة، مصر مسرح الجيب والمسرح القومي وفرقة رضا ومسرح العرايس والليلة الكبيرة، مصر صلاح جاهين وصلاح عبد الصبور، مصر رجاء النقاش ولويس عوض وغالي شكري ونجيب محفوظ، مصر صباح الخير ولويس جريس ومصطفي محمود قبل الدروشة، مصر أهرام الجمعه والبرنامج الثاني وحفلات أضواء المدينة، مصر الفرقة القومية للفنون الشعبية ومسرح البالون وحديقة الأندلس، مصر الجيل الجديد من الموسيقيين أبناء عبد الوهاب.. الموجي والطويل وبليغ.. ،

 نعم هاجرت في الوقت المناسب فلعل عندي حاسة زمنية مرهفة أنبأتني بالسقوط القادم، فقد انتهت الستينات فانتهت أعظم نهضة ثقافية حضارية مصرية منذ محمد علي، وبدأ الإنحدار الحضاري الثقافي بقيادة الهوس الديني الإخواني السلفي، ومازال مستمراً.

 

فرقة رضا

جميل أن تحتفل مصر هذه الأيام بمرور ستين سنة علي تكوين فرقة رضا في 1959 

عندما دخلت هندسة القاهرة عام 60 كان أحد مدرسينا هو الدكتور حسن فهمي، وكان مدرساً قديراً متفتحاً منيراً مستنيراً، كان معروفاً بكل هذه الصفات، ولكنه أيضاً كان معروفاً بأنه "أبو فريدة فهمي" وكانت هي راقصة فرقة رضا بل راقصة مصر الأولي - في فن الرقص الشعبي وليس الرقص البلدي الذي كانت سيدته في تلك الفترة هي سامية جمال وتحية كاريوكا، وهما فنانتان محترمتان أيضاً لا أقلل من شأنهما إطلاقاً. 

المهم أننا ونحن طلبة في كلية الهندسة كانت لدينا بعض الدهشة وبعض الإعجاب بهذا الدكتور الذي ليس فقط لا يعترض علي كون ابنته راقصة ولكن كان هو من أكبر مؤيديها، يعطيك هذا فكرة عن فترة نهايات الخمسينات وسطوع شمس الستينات، فقد كانت فترة تحولات ثقافية وإجتماعية هائلة بكل المقاييس في مصر، أشعلتها روح حركة يوليو التي بدأت كانقلاب عسكري ثم تحولت إلي ثورة تغيير إجتماعي ثقافي سياسي مزلزل لا أعتقد أن مصر شاهدته في تاريخها سوي مرات قليلة جداً آخرها قبل يوليو كانت فترة محمد علي، أما أقدمها فكانت فترة اخناتون، وهي الفترة المذهلة التي أعيشها حاليا وأنا اكتب روايتي "في مخدع الملك، في مذبح الإله".

لا تتخيل مقدار المتعة التي بعثتها فينا، نحن شباب تلك الفترة الذهبية من تاريخ مصر المعاصر، فترة الإنتقال من فكر الخلافة والخديوي والرؤية الإقطاعية الدينية الرجعية إلي فكر الحداثة والمعاصرة والعلوم والفنون والعالمية والعلمانية. كانت فرقة رضا هي إحدي تجليات تلك المتعة الشبابية المتوثبة التي واكبتها تجليات أخري كثيرة جداً في مجالات الفنون المتعددة والإبداع الخلاق في كافة مناحيه الفردية والشعبية الجماعية.

كانت فريدة فهمي تمثل المرأة المصرية الجديدة الصاعدة الواعدة، وكانت الفتاة المصرية قد دخلت معنا كلية الهندسة بشكل يكاد أن يكون تلقائياً وطبيعياً، وهو أمرٌ لو تعلمون عظيم، وكانت الفتيات في الستينات يرتدين الفساتين القصيرة، الميني جيب ثم الميكرو جيب.

ولكن هذه لم تأت من فراغ في فراغ، ولكن كانت مواكبة طبيعية لحركة التحرر الإجتماعي الهائلة التي اشتعلت في تلك الفترة، لم تحدث بقرارات من أحد، ولكن دفعت بها روح جديدة تماماً اشعلتها حركة يوليو، التي أقول دائماً أن الناس تراها حركة عسكرية سياسية فقط، وتغفل عن طبيعتها الأهم، وهي أنها كانت حركة ثقافية إجتماعية في أعماقها، ولذلك كانت التحولات الإجتماعية التي واكبتها سريعة ومثيرة وباهرة.

كل التحية والتقدير لفرقة رضا، وكل من شارك فيها، فهي إحدي أجمل ما قدمت مصر من إبداع فني في الستينات ولفترة مديدة بعدها.

 

عصريتها في الحجر

تغيب عن مصر عشرين تلاتين سنة وترجع تلاقيهم برضه بيتكلموا في نفس القضايا الوهمية .. الحجاب عادة أم عبادة؟ الحجاب فضيلة أم وسيلة؟ الحجاب فرض أم عرض؟ فنانة تحجبت وفنانه خلعت وأسفرت..

يتغير الرؤساء دون أن يتغير النظام، تقوم الثورات وتقعد، تتغير الطرق والكباري والأنفاق، تقام مدن جديدة ومنتجعات جديدة، ولا يتغير الإنشغال بنوافل التدين وقضاياه الوهمية التي تظل هي الإهدار الأعظم للطاقة الإنسانية، وتظل مصر بهذا شبه دولة عصرية، تظهر عصريتها في الحجر ولا تظهر في البشر.

 

فضيحة مرتضي، أم فضيحة مجتمع؟

سواء كانت فضيحة مرتضي منصور والفيديو المسرب الذي سمعت وصفاً له ولم أره ولا أريد أن أراه، سواء كانت فضيحة حقيقية أو ملفقة بفيديو مركب، فهي في كل الأحوال قضية تهمني وتهمكم لأنها تمس مصر، فما هي القضية؟

القضية هي أن "ظاهرة مرتضي منصور" لا يمكن أن توجد إلا في دولة إرتضت لنفسها أن تظل شبه دولة، فلا توجد دولة تسمح بوجود "ظاهرة مرتضي منصور" لسنوات عديدة دون معالجة حاسمة إلا إذا كانت تظن أن الظاهرة تفيدها، وهو ظن لا تظنه سوي شبه دولة، فما هي "ظاهرة مرتضي منصور"؟ 

 "ظاهرة مرتضي منصور" هي أن لديك رجل يحمل لقب "مستشار" أي مسؤل يعمل في منظومة العدالة والقضاء في مصر، يطلع في قنوات التلفزيون العامة والخاصة يهدد المواطنين بأن لديه سيديهات تشينهم ويسب أمهاتهم ويلوث سمعتهم دون أن يلاحقه المدعي العام المصري لمحاسبته علي جرائم التهديد العلني لشخصيات عامة وخاصة باستخدام أساليب غير قانونية كتسريب فيديوهات، بينما لا يجوز لمستشار في دولة حقيقية أن يتحدث إلا بلغة القانون وفي حدود القانون.

الفضيحة الحقيقية أن رجلاً كهذا سمح له بأن يقوم بتمثيلية ترشيح نفسه في الإنتخابات ضد السيسي، فيطلع في التلفزيون لا لينتقد منافسه بل ليمتدحه، في إهانة لذكاء المواطنين وإهانة للعملية الإنتخابية، وعليه فقد تداول البعض القول أن مرتضي مسنود من شبه الدولة تستخدمه لأغراضها.

لقد غابت الدولة عن محاسبة "المستشار" مرتضي منصور الذي كان يصول ويجول يهدد ويسب الأمهات ويتصرف بأقذع السلوكيات علناً وليس سراً وكأنه في حارة في قبيلة بدائية فيهبط بمستوي السياسة والعدالة والإعلام والرياضة بمصر إلي مستنقعات يعافها الذوق السليم والآداب العامة، ثم نجده ليس فقط لا يعاقب علي هذه المخالفات والبذاءات والبلطجة العلنية لكنه يكافيء عليها بأن يصبح رئيس أحد أهم وأكبر ناديين تاريخيين في مصر، وهو نادي الزمالك.

كان تسريب فيديو أو سي دي بذيء لرجل السيديهات والبذاءات الأول في مصر هو النهاية الطبيعية لانتهاج منهج البلطجة العلنية والسوقية الأخلاقية لرجل يلقب دائماً بالمستشار، فوجود "ظاهرة مرتضي منصور" تعني قبول المجتمع والنظام لأن تكون هذه هي صورة "المستشار" في مصر، أي قبولهم بإهانة القضاء وقبولهم باستمرار "شبه الدولة".

لهذا ففضيحة مرتضي هي فضيحة مجتمع ونظام أكثر مما هي فضيحة رجل.

 

بحث علمي؟ أم بحث علمي علمك؟

 كان أول تكليف لي بعد تخرجي كمهندس مدني هو في وزارة البحث العلمي بالقاهرة فعملت بها سنتين وكانت جديدة وقتها، وبناء علي خبرتي وفي ملتي واعتقادي أن البحث العلمي لا معني له في بلد مثل مصر، فأنت في دولة تفتقد إلي الأساسيات في كل شيء وخصوصاً في التعليم الأساسي العام حتي الثانوية ثم التعليم الجامعي.

 أنت في مجتمع لا يعرف معني ومفهوم العلم، يعتقد الكثيرون أنه "العلم بالغيب"، ولا أمزح في هذا، فقد دخلت مرة علي موقع خريجي إحدي الكليات الهندسية متوقعاً أن اقرأ آخر الأخبار والأفكار التي توصل إليها العالم في مجال الهندسة فوجدت الموقع يكتظ بالآيات والدعوات بالبركات والستر.

بعد إنشاء تعليم سليم وتخريج خريجين يفكرون بعقلية علمية يمكنك أن تبدأ في التفكير في البحث العلمي، أما قبل ذلك فيصبح الأمر عبثاً وإهداراً للموارد الضرورية، يعني بالبلدي "حرام".

 

نكتة

البابا شنودة كانمعروفاًبحبه للنكتة لأنه مصري أصيل،

جاءه مرة رجل يقول له ..

- يا سيدنا أنا عندي رغبة أن قداستك ترسمني قسيس بس عندي مشكلة.

سأله البابا، إيه هي؟

قال الرجل، أنا باحب التدخين 

قال البابا، خلاص نرسمك قسيس علي كنيسة كليوباترا. 

 

عامٌ جديد 

عامٌ جديد  

وعاداتنا من قديمٍ علي عهدها 

ورودنا تجف في شتائنا 

وتعود تزهر في ربيعنا

ساعةٌ للقلب 

وساعةٌ للرب  

وأنت وأنا 

جَسَدَانِ يُهَلِّلَانِّ

في نشيد الأناشيد 

وبالناس المسرة 

وَالْمَسَرَّةُ سِرُّنَاالقديم والجديد

والعمر نهرٌ يفيض بنا 

في القريب وفي البعيد 

كل ليلٍ حلمٌ 

كُلُّ صُبْحٍ هُوَ صَبَاحِيَّةُ الْعِيد

كُلَّمَا مَرّيومٌ بنا 

تَقِلُّ مَحَبَّتُنَا

وتزيد